لا شك أن وقوف بلادنا ضد ما تسعى إليه إيران في المنطقة، لاسيما في اليمن، أفقد الملالي توازنهم! وكان السياسي الألماني بسمارك يقول: «إذا كان العدو يعد العدة لشن حرب، فمن الحماقة عدم مبادرته بحرب وقائية» من يتأمل ما وصلت إليه الأحداث في منطقتنا العربية، يدرك بلا أدنى شك أننا أصبحنا أضيع من الأيتام على موائد اللئام، فلقد تكالب علينا اللئام من كل حدب وصوب، بدءاً بأمريكا أوباما، وبعض دول الغرب التي تسير في ركابه، علاوة على الدب الروسي وإسرائيل، وملالي الشيطان في إيران. ولولا تصدي بلادنا لمخططاتهم، لكانوا ابتلعونا كما ابتلعوا العراق من قبل، وها هي سورية تلحق بها. وأما اليمن فقد جعلوها جرحًا يستنزف الجهود والأموال والأرواح، بتواطؤ مكشوف بين كل تلك الأطياف برعاية ما يعرف بالأمم المتحدة! أمّا جامعة الدول العربية، فلقد اكتفت بموقف المتفرج وكأن ما يحدث لا يمس أمن واستقرار الدول التي أوجدت للدفاع عن قضاياها، فهي آخر من يعلم بكل ما يحدث، وليس ثمة مبرر لصمتها المريب، الذي يطرح تساؤلات كثيرة لا أجوبة عنها! لكنها تكرمت منذ أيام فحذرت من جريمة التغيير الديموغرافي في سورية. كما أن الصمت العربي الذي تلبست به كثير من الدول العربية عمّا يحدث في المنطقة، إما تواطؤاً مع النظام الإيراني، أو خوفًا منه أو مجاملة لإرهابيي سورية واليمن؛ بالدعوة إلى حل سياسي على الرغم من كل المجازر والخسائر في الأرواح والممتلكات كما تكرم به علينا بعض ساسة تلك الدول، كل هذا يؤكد لا مبالاة كثير من الدول العربية، متجاهلين أنه ما من شيء يحول دون أن يأتي الدور عليهم، وسوف يؤكلون كما أكل الثورُ الأبيض؛ أعني لبنان وسورية والعراق الذي بات مستعمرة إيرانية بكل المقاييس، لاسيما أن بعض تلك الدول عاجزة عن الدفاع عن نفسها وحماية حدودها لولا ما تنعم به من دعم بلادنا وبعض دول الخليج القادرة، وإلا لكانت اليوم مرتعًا لدويلة داعش، أو الإخونج الذين ترعاهم أمريكا وإسرائيل.. "الصمت العربي هو الثغرة التي نفذ منها النظام الإرهابي في سورية، للمزيد من عملية التطهير العرقي، لا سيما أن تركيا كما روسياوإيران فضلاً عن واشنطن وإسرائيل، تعيد ترسيم سورية بما يتناسب مع نظام المصالح المرتبط بكل دولة من خلال تقاسم النفوذ، بينما العرب وحدهم أصحاب المصلحة بإعادة بناء سورية، وهو ما يبدو غير مقبول بمعايير بعض الدول العربية"! لم يعد هناك مجال للشك بأن أوباما أسوأ رئيس مرّ في التاريخ الأمريكي، وهو أكبر متآمر على منطقتنا العربية، تحقيقاً لنظريته التي تقول: إن استمرار الصراع "يستنزف جميع الأطراف في المنطقة، وهو صراع منتج ومفيد"! فلقد عمل أوباما على خدمة المشروع التدميري الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة العربية، ولم يكن عمله وليد اللحظة الراهنة – حسب الألماني ميخائيل لودرز الخبير في قضايا الشرق الأوسط - بل نتج عن دعم الولاياتالمتحدةالأمريكية لما عُرف فيما بعد بالثورة الإسلامية التي أنهت نظاماً حكم طهران عقوداً طويلة، ليحلَّ محلّه نظام ديني فاشي عمل على تصدير الثورة خارج الحدود، وفي سبيل ذلك خاض ويخوض حروبه السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية في المنطقة العربية، وفي العالم أجمع. ومنذ ذلك التاريخ 1979 "عملت طهران على تهيئة كل أسباب نجاح مشروعها، بدءاً من التجييش الطائفي، ومروراً بإنشاء التنظيمات المؤيدة لها، ورفعها زوراً شعار تحرير القدس.. إلى اتهام دول الإقليم بالعمالة للغرب، وفي كل ذلك كانت تعمل على إنشاء الجماعات الإرهابية، أكانت سنية كتنظيم القاعدة الذي جعلت أراضيها مأوى له، أو شيعية كحزب الله والميليشيات العراقية التي توالدت كالفطر السام بعد الاحتلال الأمريكي في العام 2003"! ويتحدث المفكرون والكتاب في أمريكا ودول الغرب، عن تدمير المنطقة العربية بأيدي الأمريكيين، فيؤكد اللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه "من يحكم العالم" الذي صدر حديثاً، أن احتلال العراق كان "جريمة القرن الحادي والعشرين الكبرى"، فبعد أن عانى العراق من حصار مضنٍ، جاءت الآلة العسكرية الأمريكية لتعيث قتلاً وفسادًا وامتهانًا لآدمية العراقي، وأججت نيران الفتن الطائفية. وبعد أن انسحبت القوات الأمريكية بات الفائز الوحيد هو إيران... وأن غزو العراق قد ساهم بشكل كبير في انتشار الإرهاب وأدى لزيادة الهجمات الإرهابية في العالم بسبعة أضعاف في المنطقة، فيما زادت الهجمات الإرهابية في بقية أنحاء العالم بمعدل الثلث.. وتسعى الولاياتالمتحدة لخلق حالة جديدة لما بعد داعش، وتخطط لولادة تنظيم جديد أكثر وحشية وقسوة واستنزافًا للموارد لتنفيذ مخططاتها الخبيثة في المنطقة. ويؤكد الكاتب العراقي عبدالجبار الجبوري ما ذهب إليه تشومسكي بقوله: "من يتابع ما يجري على الأرض يتأكد أن الرابح الوحيد من كل هذه الزوبعة، هما أمريكاوإيران فقط. فهل تتوقف إيران عند هذا الحد بعد داعش؟ لا، فإيران ستتحول إلى دول الخليج بدعم أمريكي لاستنزافها وإيجاد عدو مفترض لها، وابتزازها وتخويفها.. إن التغول الإيراني الآن له ما يبرره، وهو ضعف العرب وتشتتهم وضياع بوصلة التعاون العربي المشترك، وضعف أداء أو انعدام، أو فاعلية الجامعة العربية، في مواجهة التحديات التي تواجه مصير ومستقبل الأمة العربية برمتها". وينتقد كاتب أمريكي في مقال له في صحيفة واشنطن بوست في 27 مايو الماضي أوباما بقوله: "إنه بينما تحدث أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث في سورية، اكتفت إدارة أوباما بموقف المتفرج.. وهذا الموقف يعود إلى أن إدارة أوباما كانت تسعى وراء صفقتين فقط، هما نزع الأسلحة الكيميائية من النظام السوري، وإبرام الاتفاق النووي مع إيران! واستطرد قائلًا: ستتواصل المجازر في سورية لسنوات أخرى، ما لم تتدخل أمريكا لإيقاف نظام بشار الأسد، الذي اقترف أبشع الجرائم بحق الشعب السوري، باستخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة لإبادة السوريين".. وكان الكاتب نفسه قد قال في وقت سابق: إن المجازر المتواصلة في سورية منذ أكثر من خمس سنوات، ما كانت لتحدث لولا صمت إدارة الرئيس باراك أوباما. وكانت صحيفة التايمز البريطانية قد قالت في مقال نشرته في 22 أغسطس الماضي: إن النظام السوري قتل من شعبه، ما فاق بكثير المجازر التي وقعت في السابق في رواندا، وقيل وقتها إنها لن تتكرر أبداً، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن عدد القتلى في المجازر التي ارتكبها نظام بشار الأسد بلغ 470 ألفًا، وهو يفوق عدد من قتلوا في رواندا. مع ذلك يصمت العالم كله عن المجازر والإبادة الجماعية للشعب السوري! وتابعت الصحيفة: على الرغم من تركيز الغرب على جرائم تنظيم (داعش) لكن الحقيقة أن معظم القتل في سورية كان بواسطة نظام الأسد وحليفه فلاديمير بوتين وملالي إيران. لقد كان الولي السفيه وملاليه يمارسون التقية تغطية على إرهابهم، أما بعد توقيع الاتفاق النووي مع أوباما فقد كشروا عن أنيابهم، وأصبح إرهابهم مكشوفا للقاصي والداني، بل باتوا أكثر جرأة ووقاحة ومباهاة بمشاريعهم الإرهابية التي يعدونها لاستهداف دول المنطقة العربية. فما نسمعه اليوم من أبواقهم، كحسن حزب الشيطان، وقادة الحقد الشعبي العراقي من شذاذ الآفاق، وأقزام اليمن، وما نراه من استعراض للقوة، ودعم للتطرف وإثارة النعرات الطائفية في الدول التي تمسك بزمام الأمور فيها عبر ميليشياتها الإرهابية، كما في لبنانوالعراق وسورية واليمن، باسم الشيعة والدفاع عن مظلوميتهم، بشعارات الثأر، بعد ما يزيد على ألف وأربع مئة سنة وهو الأمر الأكثر إثارة للسخرية، علاوة على الزعم بحماية مراقد أموات لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، ما يجعل المراقب يتساءل بكثير من العجب: هل تستحق تلك المراقد كل هذا القتل والتدمير والتهجير؟ وما قيمتها مقابل قيمة البشر؟ يحدث هذا في القرن الحادي والعشرين الذي لا يفتأ يُعلي من قيمة العقل البشري، التي تتعاظم بفضل التقدم العلمي والتقني على ثقافة الأساطير والخرافة والأكاذيب؟ كل ما سبق يؤكد سعي الملالي الدؤوب لفرض أنفسهم في المنطقة قوة مطلقة، لتحقيق حلمهم في إقامة إمبراطورية فارس، بمباركة أمريكية، وكان هنرى كيسنجر قد قال في حديث لقناة أمريكية: "إن خطر إيران يفوق خطر (داعش) وأنها تسعى لتشكيل حزام شيعي يمتد من طهران إلى بيروت مرورًا بالعراق وسورية، وذلك كمحاولة لإحياء الإمبراطورية الفارسية في إطار طائفي شيعي"، وأضاف أنه يعتقد أن إيران تمثل مشكلة أكبر مما يسمى بتنظيم (داعش)، معتبرًا التنظيم مجرد مجموعة من المغامرين الذين يعتنقون أفكارًا عنيفة، لكنه من السهل إدارتها، على خلاف مواجهة إيران التي تتسم بالخطورة! ختاماً، لا شك أن وقوف بلادنا ضد ما تسعى إليه إيران في المنطقة، لاسيما في اليمن، أفقد الملالي توازنهم! وكان السياسي الألماني بسمارك يقول: "إذا كان العدو يعد العدة لشن حرب، فمن الحماقة عدم مبادرته بحرب وقائية" وهذا ما فعلته بلادنا ومن والاها من الشرفاء.