السحاب.. عنوان الصفاء والنقاء، ونبع الخير، ورمز العطاء، يحضر معه الجمال والأنس والحبور، ويدخل على قلوبنا البهجة والسرور، والانشراح والارتياح، ونادر أولئك الشعراء والشاعرات المتمكنون من وصف السحاب، وتجسيد معانيه السامية في أشعارهم من حنين وشوق، فهو مُلهم الشعراء، ومصدر أحاسيسهم المتدفقة بالحنين ورقة الشعور.. فجمال السحاب ولمع البروق، وتراكم الغيوم، يحتاج إلى قوّة الموهبة، وأيضاً التمكّن من الوصف الرائع لما يمثله هذا الجمال من الصور السامية والجميلة.. والشيء الكثير والكثير، وفي هذا الاتجاه يقول الشاعر جلعود لافي الشمري -رحمه الله- واصفاً أمنيته، وعشقه للحساب: أرعدي يا سحابه فوق هاك التلال صوري له حنيني عقب طول البعاد إلا هواي أرض الدعث .. والغراميل وأرقاب رجمٍ للهوى به وحيفه ومخايله سحبٍ تهل الهماليل برقه يرفرف والرعد له رجيفه من يمّة المنشا خشومه مقابيل تباشرت فيه الضعون الضعيفه وصوت المشايع مع حنين المخاييل وقبضت رسن خطوا الذلول العسيفه ونلمس كثيراً في أحاسيس الشعراء اقتران السحاب بمشاعرهم المتوشحة بالحب والوصف العذب، والحرف العطر.. ومن أجمل هذه الأحاسيس الشعرية هذا البوح الجميل للشاعر خلف بن هذال العتيبي راجياً من المولى -عز وجل- أن يمطر دار المعشوقة التي لها من الحب المساحة الكبيرة في أعماق قلب ينبض بالحب والودّ.. فما أجمل من وصف السحاب في قصائد الشعراء.. وما أجمل هذا البوح لشاعر الوطن الذي اختار السحاب والبروق والرعود والمطر في قصيدته الرائعة المتميزة بالمفردات النادرة: جعل السحاب اللي معه برق ورعود يمطر على دارٍ وليفي سكنها يسقي وطن منتوقة العنق يا سعود مالي وطن بالعارض إلا وطنها قلبي غدا واستيسره ليّن العود ماحدٍ يفك القلب يا سعود منها ساطي وفي كفه قديحه.. وبارود وأدخل يده بين الضلوع ودفنها بيني وبينه وصل.. وأسرار.. وعهود مصيونةٍ ماتدري الناس عنها في كل عام يزود حبّه بعد زود أقفا بروحي.. والتوى في رسنها أموت بين الخد.. وعيونه السود وحواجبٍ ربي بملحه قرنها وشعرٍ بدهن المسك.. والورد مكدود جديلةٍ تضمّني .. وأحتضنها ليلٍ جمعني به عسى ليت ويعود يبعد عن النفس الحزينه حزنها ويزداد السحاب جمالاً عندما يتوشح بشعاع الشمس، وخاصة مشاهدة السماء ملبدة بالغيوم الذي يكون سبباً في تساقط الأمطار، وانتشار الضباب، والندى على الزهور، وجريان الوديان والسهول، وجميع هذه المشاهد تدهش الإنسان بجمال الرحمن الأخاذ الذي لا يعادله جمال، فسحر الطبيعة تشبع رغبة العين بهذه المناظر الخلابة التي يرتسم الجمال فيها، وتتلألأ أمام الشعراء بما يلفت أنظارهم واهتمامهم.. فالنظر إلى السحاب متعة لا تعادل بأي شيء آخر، فهو سبب في اعتدال الأجواء، وله دور في راحة العقول، وإسعاد القلوب، ومرسال حب وسلام كما يقول في هذا الشأن الشاعر الأمير خالد الفيصل الذي يُحاكي السحاب منشداً: يا سحايب سراة أبها تعديّ شمال واستعيري دموعي سيّلي كل واد غطي أرض الحبيّب بالندى والجمال مثل ماهو مندّي بالمحبه فؤاد وأرعدي يا سحابه فوق هاك التلال صوري له حنيني عقب طول البعاد ولّعي يا سحابه بالسما كل جال مثل ما أشعل فؤادٍ فيه كدح الزناد مير أشوف التسلي عن هواها استحال وقفي يا سحابة حمل الأشواق زاد دوك قلبي وعيني دوك بعض الخيال دوك كلي تبعتك ما بقى لي قعاد والسحاب.. من بديع خلق الخالق -عز وجل- يجذبك كثيراً وأنت تشاهد تراكم الغمام، وتجد نفسك مجبراً على هذا الانجذاب مرّة ومرات، وتود أن تسمر بهذه المشاهدة، وهذا الإحساس والتأمل في قدرة الخالق، والتمتع بكل لحظة تُشاهد فيها روعة السحاب وبياضه وغمامه وتساقط أمطاره كما يقول الشاعر ضيف الله بن سويلم واصفاً هذا المنظر الممتع الذي لا يضاهى بقوله: ودّي بسجّه في فجوج الخرايم وسط الربيع مع النفل .. والخزامى ف أرضٍ من الوسمي عليها قدايم في سدرها تسمع هديل الحماما والجو صحو أحيان.. وأحيان غايم وأحيان يمطر من مزون الغمامى لفحة عبير مذعذعات النسايم تنعش فؤاد اللي همومه تراما ونجد في قصائد الشعراء والشاعرات التأثير الإبداعي العجيب عندما يتحدثون عن نجم سهيل الذي بظهوره يعتدل الجو، ويتراكم السحاب، ويحلو جمال الغيم، ومنظر السيل، وفي هذا الاتجاه تقول الشاعرة عاشقة السحاب على بحر الهجيني: يا سعود قرّب ظهور سهيل باقي له أيام .. ونشوفه عسى ظهوره براد.. وسيل على ثرا نجد .. وانطوفه ومن الأشعار التي تتحدث عن عشق السحاب هذه الأبيات المختارة من قصيدة الشاعر خالد الوقيت بعنوان: «عاشقين السحاب» واصفاً فيها ليلة بهية جمعته مع زملاء له كرام، وقد عبّر في قصيدته الجميلة عن عشق السحاب، وحب الأمطار، وروعة الخيال، ومرافقة الأخيار فقال: البارحة سيّرت بين العشاوين على ربوعٍ يعشقون السحابي أهل الوفا والطيب والمنطق الزين ذخر الخوي لاجاه نوع اكتئابي حتى قال: يا زين لا قالوا توقّع .. ويا زين لا غطّن المنشى سواة الهضابي متراكماتٍ شوفهن يطرب العين وبروقهن من تحتهن اشتبابي شقة سما تاخذ من الوقت يومين وبلٍ غزيرٍ دافقٍ بانصبابي ومن عقبها تديّم حوالي اسبوعين لما الثرى يرتاد قوع الترابي ولا طابت الخِطَّر وقالوا هلا وين سجيت مع شوفة نفيض الربابي ونهار بعده بالمشاريق صاحين أسبوع ومن بعده يعم الضبابي وترجع مثل أوّل علينا الغواشين لآخر شهر سته لهن انسكابي هذا ترى هو شف ناسٍ كثيرين وأخص منهم نقوةٍ ما تعابي حب المطر يجري بها بالشرايين وإلى أنقطع قلبه من الهم ذابي هذه حقيقه ما بها أي تخمين قصة ربوعٍ يعشقون السحابي السحاب يزداد جمالاً عندما يتوشح بشعاع الشمس خلف العتيبي