تعج مدننا بالازدحام المروري وكل عام نزيدها بإصدار رخص قيادة لكل من يتم استقدامه بمهن غير السائقين، دون مراعاة الأضرار الاقتصادية والبشرية والأمنية المترتبة على ذلك. وعلينا أن نتعلم من تجربة دولة الكويت الشقيقة التي تنبهت لهذه المخاطر مبكرا، حيث اشترطت لحصول غير الكويتي على رخصة قيادة: ان لا يقل راتبه عن 400 دينار والذي تم رفعه أخيرا إلى 600 دينار للحد من الفئات التي تتخذ من المسميات الوظيفية والمهنية خلافا لما تؤديه من أعمال للحصول على رخصة قيادة. كما ان ذلك يهدف الى إيجاد حلول عملية للمشاكل المرورية والحد من الازدحامات المرورية التي تشهدها الطرق. هذه دولة الكويت الصغيره في حجمها وعدد سكانها تركز على قوة مرورها، فما بالك بدولة مثل السعودية عدد سكانها يتجاوز 31 مليون فرد ومدنها ومحافظاتها عديدة ويموت في شوارعها أكثر من 20 فردا يوميا بسبب الحوادث المرورية. ان هذا التقنين يشمل رخص القيادة للمركبات والدراجات الآلية بجميع انواعها التي أزعجتنا وامتلأت شوارع أحيائنا بها. وبذلك يكون من شروط حصول غير السعودي على رخصة قيادة: مضي 6 شهور على إقامته؛ لا يقل راتبه عن 5 آلاف ريال شهريا لعدم وجود حد أدنى للأجور لدينا ومطابقة حسابه البنكي طول مدة إقامته؛ التحاقه بمدرسة القيادة دورة كاملة؛ تجديد الرخصة سنويا. إنها شروط غير تعجيزية بل موضوعية ويسهل تطبيقها إجرائيا، لان حماية المواطن وراحته وصحته من حوادث الطرق وتخفيف الازدحامات المرورية وتلوث البيئة فوق كل شيء. ان اعداد غير السعوديين من الذكور كبيرة بل مخيفة، حيث يرزح سوق العمل السعودي (15 سنة فأكثر) بأكثر من 5.7 ملايين وافد، وهذا لا يعني ان جميعهم يرغبون في القياده ولكن نسبة منهم ترغب في ذلك. كما وصل إجمالي عدد المقيمين الى10.40 ملايين فرد في عام 2015م، ما يمثل حوالي 33% من إجمالي عدد سكان المملكة (الهيئة العامة للإحصاء). وإذا ما نظرنا الى عدد العمالة الوافدة المحتمل ان تكون رواتبهم اقل من 5 آلاف ريال وذلك حسب المستوىات التعليمية: أمي، يقرأ ويكتب، الابتدائية، المتوسطة، الثانوية أو ما يعادلها، فانها تتجاوز 4 ملايين فرد من الذكور أي ما يعادل 62% من اجمالي العمالة الوافدة. ان المنافع الاقتصادية والاجتماعية من هذا التقنين كثيرة ومنها: خفض عدد الحوادث والأموال الضائعة المرتبطة بها؛ خفض الازدحامات المرورية خاصة اوقات الذروة؛ الحد من ظاهرة تستر العمالة والتسيب بتقييد حركتهم وتطبيق فتح الحسابات البنكية حتى على السائق منهم؛ خفض استهلاك الوقود خاصة في موسم الصيف مع ارتفاع الطلب؛ خفض استهلاكهم للسلع والخدمات المدعومة حكوميا؛ خفض معدل الجريمة مع سهولة مراقبة عدد اقل من المركبات والدراجات النارية؛ اختفاء المركبات القديمة والمتهالكة من شوارعنا؛ عدم زيادة عدد الركاب عن العدد المقنن؛ التأكد ان المرخص له قادر على دفع مخالفاته المرورية والتأمين على سيارته. وبهذا التقنين سوف يتم أيضا إتاحة الفرصة للمواطنين العمل بمركباتهم الخاصة في نشاط نقل الركاب الذي سمحت لهم وزارة النقل بممارسته اخيرا، حيث ان عددا كبيرا من المقيمين يمارسون هذا النشاط بالتعاقد مع شركات التأجير العاملة في سوقنا. وبما ان السائقين لا ينطبق عليهم هذا التقنين، إلا انه ينبغي التأكد انهم يمارسون مهنهم من خلال ربط رواتبهم بحساباتهم البنكية ومتابعتهم. أتمنى ان تأخذ السلطات ذات العلاقة على عاتقها تطبيق هذا المقترح ضمن برنامج التحول الوطني، على ان يبدأ تفعيله في بداية العام القادم ويتم ايقاف جميع رخص القيادة الحالية لمن لا تنطبق عليهم الشروط الجديدة. انه تحول يخدم الوطن ويحمي المواطن من الحوادث نحو المزيد من الرفاهية وراحة القيادة في شوارعنا وطرقنا، بل انه قرار استراتيجي.