أثار تزايد الحوادث المرورية في المملكة قياساً بعدد سكانها تساؤلات كبيرة عن مسببات ذهاب العديد من الضحايا فضلاً عن الخسائر في الممتلكات، ويمثل "السائق" واحداً من أهم العوامل الرئيسة في حصول الحوادث، مما جعل المجهر مُسلّطاً نحو ضعف التأهيل وقلّة الوعي من أجل توفير قيادة آمنة، إلى جانب سهولة الحصول على رخصة القيادة بعد اجتياز دورة مدرسة تعليم قيادة السيارات، والأهم من ذلك "تسديد الرسوم"، ثم يمكن للسائق أن يسير في أي طريق كان!. إن ما نشاهده من ضعف إمكانات بعض قائدي المركبات يتطلب إيجاد دورات مستمرة للسائقين خلال السنة الأولى من حصولهم على رخصة القيادة؛ لتجنب أخطار الطريق، على أن تتم الدورات تحت إشراف مختصين، كما أنه من المُهم سحب رخصة القيادة من أي سائق تتكرر مخالفاته، من خلال إيجاد سجل يضم كل مخالفاته والحوادث التي تعرض لها، مع سحب الرخصة منه إن تضاعفت الحالات بشكل غير مبرر. تحصيل رسوم وشدّد "د.شكري حسن السنان" -مهندس نقل وسلامة مرورية أستاذ الهندسة المدنية المشارك ورئيس لجنة السلامة المرورية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران- على ضرورة أن يجتاز السائق اختبارات اللياقة الصحية والتحكم بالسيارة والاستجابة المناسبة لمتطلبات الطريق قبل أن يُمنح رخصة قيادة، مبدياً أسفه حول أن الحصول على رخصة القيادة في المملكة هو تحصيل حاصل وعملية "بيروقراطية" تنتهي فقط بتسديد الرسوم لمدارس القيادة وإدارة المرور. وأضاف أن تعليم القيادة الوقائية أو الآمنة مطلب مهم يجب أن يُدرّس ويُركّز عليه في مدارس القيادة، ومن ثم يُعزز بسُلطة القانون، أو ما يسمى الضبط المروري، لتوجيه سلوكيات القيادة لدى البعض، حيث قيادة السيارة على "كتف" الشارع بسرعة هائلة حتى مع تواجد الدوريات الأمنية دون خوف. قيادة آمنة وأكد "إبراهيم بن يوسف الصقهان" -معيد في كلية الهندسة المدنية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وحاصل على الماجستير في خصائص السائقين المتورطين في الحوادث وتقييم مدارس تعليم القيادة بالمملكة - على أنه من المُهم التفريق بين "مهارات القيادة"، و"القيادة الآمنة"، حيث أن السائق الجيد يمتلك أسس القيادة الآمنة، ذاكراً أن مدارس التعليم غير قادرة على توصيل المهارات بشكل كاف، فما بالك ب"القيادة الآمنة"، حيث إنها تعمد إلى إعطاء مهارات ومعلومات تساعد السائقين على النجاح واجتياز التدريب للحصول على الرخصة.وطالب بإيجاد دورات مستمرة للسائقين خلال السنة الأولى من حصولهم على رخصة القيادة؛ لبلوغ مستوى أمني أفضل، وتجنب أخطار الطريق. سحب الرخصة واتفق "د.السنان" على ضرورة إيجاد دورة مكثفة عن القيادة الوقائية بإشراف مختصين؛ كشرط لاستمرار الرخصة على السائقين متكرري المخالفات، مشيراً إلى أن نظام متابعة المخالفين وتاريخهم المروري هو من أهم الإجراءات المتبعة عالمياً، ونظام النقاط يدخل في هذا السياق، مبرراً ذلك بأهمية أن يكون سائق السيارة منضبط نفسياً وأخلاقياً في التعامل مع الطريق والسائقين الآخرين، مبيناً أن كثيراً من الدراسات توصي بالانضباط نفسياً وأخلاقياً كشرط للحصول على رخصة قيادة، ولكون تطبيق هذا الأمر غير عملي أثناء الترخيص، لذا فإن تكرار أفعال السائق المخالف ينم عن عدم توازن في سلوكه -إن لم يصنف جنائياً-؛ مما يستدعي سحب رخصة القيادة منه وعدم محاسبته عند تراكم مخالفاته، إلى جانب إيجاد سجل لكل سائق يضم كل مخالفاته والحوادث التي تعرض لها، بحيث يتم سحب الرخصة منه إن تضاعفت الحالات بشكل غير مبرر. وأضاف أن أهم محطة في تثقيف الشخص مرورياً هي عند تقدمه للرخصة في مدارس تعليم القيادة، إذ أن الفكرة التي تُوصلها مدارس تعليم القيادة في المملكة في الوقت الراهن هي أن الجميع يمكنه أن يجلس على كرسي السائق ويمسك المقود!. طبقوا «النقاط»واسحبوا رخص المخالفين محاكاة الواقع وعاب "الصقهان" على مدارس تعليم القيادة أنها تُدرّب السائقين داخل ميدان المدارس، دُونما محاكاة للواقع على الرغم من اختلاف جغرافيات الطرق مثل الأنفاق والجسور، وعدم محاكاة المخاطر على الطريق مثل وجود سائقين متهورين، إلى جانب عدم استخدام أجهزة محاكاة متطورة في تدريب السائقين، إضافةً إلى أن الاختبار العملي يتم في ميدان داخل المدرسة، في بيئة اعتاد عليها المتدرب وحفظها. وذكر أن الشروط و الإجراءات المُتبعة للحصول على رخصة كقوانين جيدة؛ لكن لا يتم تطبيقها على أرض الواقع بالشكل المطلوب، مبيناً أن مدارس تعليم القيادة تُدرّس المنهج المعتمد من وزارة الداخلية "دليل السائق"، ويحتوي على معلومات جيدة إذا استوعبها السائق، ولكن يعيب على المدارس أن العشرين ساعة التي يدرسها السائق لا يستفيد منها كثيراً، ولا يتم تدريسه من الدليل إلاّ رؤوس أقلام. خيارات نقل وأرجع "د.السنان" وجود صغار سن يقودون السيارات في شوارعنا إلى عدم وجود خيارات أخرى للنقل، كما أن الصغار قد أمنوا العقاب، وسلكوا طرقاً للالتفاف على القانون، فضلاً عن بعضهم يعتبر قيادة السيارات تسلية، ويمكن أن يعملوا ويُقلّدوا ما يشاهدونه في الألعاب الالكترونية. وذكر "الصقهان" أن انتشار ظاهرة قيادة صغار السن للسيارات يعود إلى غياب وعي بعض الأسر وعدم مبالاتها، إلى جانب غياب النقل المدرسي المتكامل ذي الأسعار المعقولة والمدعومة من الحكومة، إضافة ًإلى تباهي صغار السن بين نظرائهم في المدرسة وغياب التوعية. وأوضح "د.السنان" أن علاج هذه الظاهرة يكمن في التثقيف سواءً لصغير السن أو ذويه، وذلك من خلال طرح برامج مدروسة طويلة الأمد من قبل إدارة المرور، إضافة إلى توفير بدائل للتنقل. بيئة هندسية ولم يؤيد "د.السنان" فكرة منح رخصة القيادة بحسب المهنة؛ للتخفيف من زحام الشوارع، ذاكراً أن التنقل بالسيارة وحق الحصول على رخصة حق لا يمكن نزعه من أحد، مطالباً بتطبيق هندسة المرور إذا أردنا تخفيف الزحام، إلى جانب توفير وسائل بديلة للتنقل، مثل النقل العام، حيث إنه أمر مهم ولكنه مفقود. وعلّق "الصقهان" قائلاً إن العمالة من أفراد المجتمع ولهم حرية التنقل داخل وخارج المدن، وربط الحصول على رخصة بحسب مهنة الأشخاص فيه تقييد لحرية الأشخاص، مبيناً أن الحل لتخفيف الزحام هو في توفير الوسائل البديلة للسيارات، فالمفتاح الرئيسي هو وضع نظام نقل عام في المدن بما يضمن لأفراد المجتمع التنقل إلى أي مكان في داخل المدينة بسهولة. ورأى "د.السنان" أن مسؤوليات المهندس ورجل الأمن ومدارس القيادة متقاطعة، مبيناً أنه لو عملت هذه الجهات بفعالية ناجحة لتوفّرت فرصة أكبر لتقليص الحوادث المرورية الحاصلة بسبب سلوكيات سلبية متكررة، منوّهاً أن الأهم هو توفير بيئة هندسية صحيحة تضمن تخطيط سليم للطرق، وعمل إشارات مرورية منظمة، إلى جانب لوحات إرشادية تُسهّل مهمة الجهات الرقابية والتوعوية. تجارب مثالية وتشترط ولاية نيويوركالأمريكية لمن يتقدم للحصول على رخصة قيادة، الدخول في دورة القيادة الآمنة قبل اختبار الطريق، مع ضرورة اجتياز الاختبار التحريري، إضافةً إلى أن سيارات المدرسة التدريبية أكثر أمناً من غيرها، حيث إنها مجهّزة بمكابح على جانبين أحدها يتحكم بها المتدرب، والأخرى احتياطية بيد المُدرب. وقارن "الصقهان" بين كيفية استخراج الرخصة في المملكة مع دول العالم المتقدمة مرورية، وأبرزها "ألمانيا"، حيث يتم تدريب السائقين فيها بداية على أجهزة محاكاة القيادة، ويعمد المدرب على مساعدة المتقدم للحصول على رخصة، ويتم تدريبه وتوجيهه على مواجهة الأخطار في الطريق، وبعد أن ينهي ساعات معينة يبدأ التدريب في الشوارع العامة، على أن يشتمل على جميع سيناريوهات القيادة، ومنها أن يقود السائق السيارة ليلاً ونهاراً و في أحوال طقس مختلفة. واستعرض "الصقهان" تجارب "دبي" و"لندن" و"سنغافورة" في منح رخص القيادة، حيث تضع رسوماً على التنقل في الشوارع المزدحمة، ومثلها على المواقف العامة، وبهذا الإجراء يضطر شريحة كبيرة إلى التنقل بواسطة النقل العام، وجعل استخدام السيارات للضرورة، على تدعم مداخيل رسوم الطرق والمواقف العامة مصروفات النقل العام لجعله مناسباً لكافة أفراد المجتمع. نشر الوعي وأضاف أن "ساهر" ساهم بشكل كبير في خفض الحوادث في المملكة، ولكن بعض الإعلاميين والمؤثرين في الرأي العام أججّوا المجتمع ضده، في وقت ينتظر أن تسهم وسائل الإعلام على تفعيل دورها الاجتماعي بنشر الوعي المروري، والتكاتف مع الجهات الرسمية نحو محاربة "إرهاب الشوارع" الذي أودى بكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات. وأوضح أن الأرقام أثبتت أن المواطنين أكثر تورطاً في الحوادث المرورية من المقيمين، إذ أن عدد الأجانب الذي يتملكون رخص قيادة في المملكة بلغ عددهم (4.939.559) شخصاً يمثلون ما نسبته (55.8%) من مجموع الرخص بالمملكة، بينما بلغت نسبة المقيمين الذين يكونون طرفاً في الحوادث (45.3%)، مرجعاً سهولة الحصول على رخص القيادة في المملكة إلى نوعية اختبار السائقين التي يغلب عليها السطحية -على حد قوله-. التدريب الجماعي للمتقدمين على الرخصة لا يوّفر إتقاناً للقيادة بالحد الأدنى شروط الحصول على رخصة القيادة تتطلب تقنيناً أكبر التدريب على رخصة النقل العمومي يتضح أثره في الطرقات العامة د.شكري السنان إبراهيم الصقهان