نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية بنحو 35 في المئة خلال عام 2015 وبأكثر من 60 خلال العامين الماضيين، بدأت المالية العامة للدولة، تُعاني من عجوزات مالية، حيث أظهرت الميزانية العامة للدولة في نهاية العام المالي 1436/1437 (2015)، عجزاً مالياً بلغت قيمته 367 مليار ريال سعودي، وفي العام المالي الحالي 1437/1438 (2016)، يتوقع للميزانية أن تظهر عجزاً مالياً قدرت قيمته ب 326.2 مليار ريال سعودي (87 مليار دولار أميركي). وبسبب تلك العجوزات المالية، اتجهت الدولة لتمويل العجز وسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة، بإصدار سندات تنمية حكومية، حيث قد اصدرت الدولة على سبيل المثال، سندات تنمية حكومية خلال العام الماضي، بما قيمته 98 مليار ريال سعودي (26 مليار دولار أميركي)، والتي استثمرت فيها المؤسسات المحلية. إن توجه الدولة للاقتراض من الداخل، وكما أشرت لسد العجز المالي بين جانبي الإيرادات والنفقات بالميزانية العامة للدولة، انعكس على نمو (ارتفاع) صافي الدين العام للدولة في نهاية العام الماضي، ليصل إلى 142 مليار ريال سعودي (38 مليار دولار أميركي)، ومثل بذلك نحو 5,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بما كان عليه في عام 2014، والذي كانت قيمته 44 مليار ريال سعودي (11.7 مليار دولار أميركي)، أو ما نسبته 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. وقد أكدت الحكومة لدى قيامها بتمويل عجز الميزانية المالي، أنها ستتبع أفضل الطرق والخيارات المتاحة، وفقا لخطة تراعي الموازنة بين الاقتراض من جهات محلية أو أخرى دولية، وبما لا يؤثر سلباً في السيولة لدى المؤسسات العامة أو الخاصة، والتي من بينها القطاع المالي وبالتحديد القطاع المصرفي، وذلك لضمان استمرار نمو تمويل أنشطة القطاع الخاص والأنشطة الاقتصادية الأخرى. وأنشأت الدولة تبعاً لذلك مكتبا لإدارة الدين العام بوزارة المالية لدراسة الخيارت المتاحة، والاختيار من بين أفضلها التي يحقق أهداف الدولة من وراء الاقتراض عموماً. وكما هو معروف أن لأي دولة على مستوى العالم، سواء بالسعودية أو بغيرها عدة طرق وخيارات متاحة لتمويل عجزها المالي، من بينها إصدار سندات دين عام محلية، والتي أطلقت عليها الحكومة السعودية، "سندات التنمية الحكومية"، والتي بمقتضاها لجأت الحكومة للاقتراض محلياً من المؤسسات العامة وشبه العامة الحكومية، التي تتمتع بذمة وميزانيات مالية مستقلة، مثل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، والمؤسسة العامة لمعاشات التقاعد وغيرهما من المؤسسات. ومن بين الخيارات كذلك، لجوء الدولة للاقتراض من مؤسسات القطاع الخاص، مثل البنوك وغيرها من المؤسسات المالية. كما قد تلجأ الحكومة لتمويل عجزها المالي بالسحب من احتياطياتها المالية، وهذا ما قامت به الحكومة السعودية خلال العام الماضي والعام الجاري، عندما سحبت من أصولها الاحتياطية خلال الفترة ما بين الربع الثالث من العام الماضي وحتى نهاية شهر حزيران (يونيو) من العام الجاري، قرابة 666 مليار ريال (178 مليار دولار)، ما أدى إلى انخفاض تلك الاحتياطيات من أعلى مستوى وصلت إليه بالربع الثالث من عام 2014 والذي هو بحدود 2793 مليار ريال سعودي (744,8 مليار دولار أميكي) إلى 2138 مليار ريال سعودي (570.1 مليار دولار أميركي) بنهاية شهر حزيران (يونيو) من العام الجاري. وقد نجحت الحكومة السعودية خلال العام الماضي والعام الجاري من الاقتراض محلياً دون أن يخلف ذلك أو يترك وراءه أثراً ملحوظاً أو شحاً ملموساً على حجم السيولة المتوفرة في الاقتصاد. ولكن وعلى الرغم من نجاح الحكومة السعودية خلال الفترة الماضية في الاقتراض محلياً وكما أشرت دون إحداث أي إرباك لجهات التمويل سواء العامة أو الخاصة، إلا أن ذلك لا يمنع بالتأكيد من أن تفكر الدولة في ابتكار آليات وأدوات دين جديدة، يُمكن اللجوء إليها كخيار آخر ومتعدد لسد عجوزاتها المالية، سواء الحالية أو المستقبلية (المحتملة)، والتي سوف أناقشها بالتفصيل في المقال القادم.