الناس تُقيّم الشخص الغريب خلال أول 10 ثوان فقط .. انظر لساعتك الآن وتخيل شخصا غريبا يقترب منك أثناء نزولك من السيارة .. خلال عشر ثوان فقط تكون قد حكمت عليه بناء على هيئته وملابسه وطريقة حديثه والسيارة التي نزل منها (وتتعامل معه على هذا الأساس).. فلأنك لا تعرفه منذ الطفولة تحكم عليه (بطريقة طارئة) من خلال مظاهر سطحية بارزة كالهيئة واللغة والملامح.. ويرتفع مستوى السطحية والتسرع بارتفاع مستوى العنصرية والتشدد وعرفت شخصيا من يحكم على الآخرين من خلال صورهم الفوتوغرافية.. وحكمنا على الناس بهذه الطريقة المتسرعة قد ينتهي عند هذا الحد، وقد ينتقل لمراحل تالية تستغرق وقتا أطول.. فبعد أول لقاء (مع الشخص الغريب) يحدث أحد أمرين؛ إما أن تفترقا فيظل حكمك الأول ثابتا بلا تغيير، أو تستمرا في التواصل فتبدأ بتعديل حكمك وإعادة صياغته بعد كل موقف جديد.. تذكر معي كم شخصا أخذت عنه بسرعة فكرة (حسنة أو سيئة) قبل أن تتوطد علاقتك به فتعترف بأن حكمك عليه كان خاطئا منذ البداية؟ وفي المقابل لن يتغير حكمك ورأيك في "صديق الطفولة" مهما تغيرت أحواله أو لبس ثيابا لا تخصه! .. على أي حال؛ لاحظ أننا نتحدث حتى الآن عن تجاربنا المباشرة والمدة التي استغرقها حكمنا على الآخرين (طالت أم قصرت).. فنحن أيضا نحكم على الناس بطريقة غير مباشرة من خلال أطراف أخرى تملك آراء جاهزة.. قد نسمع أحكاما سلبية فنتجنبهم ونتحاشى التعامل معهم، وقد نسمع آراء إيجابية فنُقبل عليهم ونصبح أكثر استعدادا للتعامل معهم .. وسواء أكان رأي الطرف الوسيط (صحيحا أم خاطئا) سيؤثر في النهاية على مواقفنا ومعايير حكمنا على الناس وهي مسألة خطيرة نبهنا إليها القرآن الكريم (.. إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)..الآية والحقيقة التي يجهلها معظمنا هي أن 90% من الأحكام التي نتبناها وندافع عنها وصلت إلينا عبر طرف ثالث دون احتكاك مباشر بالأشخاص المعنيين.. فكّر بعدد الأشخاص الذين حكمت عليهم من خلال معرفتك المباشرة بهم، ثم قارن ذلك بعدد الأشخاص (وربما الطوائف والشعوب) التي حكمت عليها من خلال رأي موروث أو طرف وسيط! .. الهدف من هذا المقال هو فهم أساليبنا (اللاواعية) في الحكم على الناس.. أن نتعلم (عدم الحكم عليهم) من خلال: * الظن والمظهر. * أو بعد أول لقاء. * أو من خلال رأي شخص وسيط. * أو من خلال أحكام موروثة (تجعل المجتمعات تتوارث المواقف البغيضة لقرون)،. * أو من خلال انتمائه لمجموعة أو فئة لا تحبها (فقد يكون هو أيضا لا يحبها أو لم يختر انتماءه إليها). * أو حتى من خلال خبراتك السابقة في الحكم على الناس (فقد يكون استثنائيا أو مختلفا عمن عرفتهم سابقا). .. إذاً؛ كيف نحكم على الآخرين بطريقة صحيحة؟ قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، دعني أسألك أولا: ولماذا أصلا تريد الحكم عليهم؟ ومن أنت حتى تحكم على خلق الله؟ وما الفائدة التي تجنيها من تصنيف الآخرين أو وضعهم في قوالب مسبقة؟ أليس الأولى أن تنشغل بنفسك وتحاول اكتشاف عيبوك (فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس)! .. أما إن كنت مصرا على تصنيف الناس والحكم عليهم (وغالبا لسبب غير وجيه) فأرجو أن تتأكد أولاً وقبل كل شيء من سلامة صدرك وعقلك من جميع المؤثرات السابقة.. بهذه الطريقة فقط تكون قد اقتربت من الحكم عليهم بطريقة صحيحة..