حينما تدخل عالم قنوات التواصل الاجتماعي، وتعيش أجواء نقاشات بعض أفراد المجتمع فإنك تعجب كثيراً حينما تلاحظ أن الناس أصبحوا منشغلين كثيراً بغيرهم، بل وأصبحوا يعيشون الفراغ الروحي الذي يدفعم إلى تفكيك أحوال الآخرين، ما يتعلق بهم، ما يخصهم، ظروفهم وأحوالهم وبعض الأحداث التي تطرأ في حياتهم، حتى وصل الأمر سوءاً إلى تفكيك حال ونهاية الأموات أيضاً، فالحكم على ظاهر الإنسان هو المعيار للحكم عليه في حياته وخاتمته، في المقابل طريقة موته معيار لإطلاق الأحكام على مصيره بعد الموت، حتى أصبح الكثير من الناس يعتبرون معيار طريقة الموت أو الحالة التي توفي عليها سبباً للحكم على مصيره في علم الغيب. ويسمح بعض أفراد المجتمع لأن ينصب نفسه حاكماً ومحللاً لأحوال الخاتمات، وربما لتقييم الناس من خلال ما يعلم بظاهر الأمور عن أحوالهم أو عن طبيعة أعمالهم، فمن يموت وهو يؤدي دوراً في مهنة التمثيل يحكم على خاتمته بأنها خاتمة سوء، ومن يمُت وهو في سفر خارج الوطن وفي بلد لا تدين بالاسلام يحكم على خاتمته بأنها سوء؛ لأنه مات في بلد كُفر، ومن يمُت في حادث سير وهو في طريقه إلى العمرة يحكم على خاتمته بأنها حسنة، حتى أصبح البعض مقيّما لخواتم الموتى، وربما دخل البعض في سيرته وأصبح يربط موته بطريقة حياته، وكأننا كأفراد في المجتمع من حقنا أن نحكم على الآخرين من خلال ظاهرهم دون أن نعلم بأن الله -سبحانه وتعالى- هو المطلع والعالم بأحوال عباده، وبأننا كبشر لا يحق لنا إطلاق الأحكام وتقييم الأشخاص من خلال ظاهر أعمالهم، فما السبب الذي يدفع البعض للانشغال بأمور الآخرين وبإطلاق الأحكام عليهم حتى حينما يموتون؟، وهل يحق لنا أن نتنبأ بمصير الإنسان الغيبي من خلال خاتمته؟، أو الطريقة التي مات بها في الوقت الذي لا يعلم بدواخل الناس إلاّ من خلقهم وتركهم في الحياة حتى يعملوا ويحرثوا في الأرض. ضعف إيمان وقال أحمد الهاشم –مدير فرع الشؤون الإسلامية والدعوة والارشاد بالأحساء–: إن ما يفعله بعض الناس من الحكم على الميت من خلال خاتمته أو من خلال ظاهره فذلك إنما يدل على ضعف الإيمان والجهل بأحكام الشريعة، ومثل هذه الأحكام لا يمكن أن تصدر إلاّ ممن يسيء الظن بالله –سبحانه–، فربما رجل يموت في مسجد عاقبته سيئة ورجل يموت في دورة المياه وتكون عاقبته العافية من النار، مضيفاً أنه ربما هناك دلائل على الصالحين وعلى موتهم وهو ما يدخل في حسن الخاتمة، لكن لا يجب على الناس أن ينغمسوا في تلك التحليلات ويحكموا على الناس من خلال ظاهر حال الموت، مُشدداً على أنه لا يجب الجزم بتلك الظواهر؛ لأنها في علم الغيب عند الله، مبيناً أن هناك من الناس من يحكم على الآخرين على ظاهرهم بأنهم سيئون، لكن لهم من الأعمال الخفية ما ترفع شأنهم عند الخالق سبحانه، ومن ذلك قصة الرجل المدمن على شرب الخمر والذي مات وأبى أهل القرية تشييعه، وإذا برجل يطلب منهم تشييعه والصلاة عليه فذهبوا إلى زوجته وسألوها عن حاله في الدنيا فقالت بأنه كان يقوم على أيتام ويقول في كل آخر اليل وهو يبكي: "بأي وجه سأقابلك به يا الله"، ذاكراً أن بعض أهل المعاصي ابتلوا بالمعصية فيخجل من الله ويعلم بأنه على معصية فيدخله الله –سبحانه– الجنة، وصاحب الطاعة الذي اُعجب بطاعته قد لا تكون مقبولة عند الله. وأضاف أن إطلاق حكم الخاتمة على أي شخص من قبيل الجهل، فنحن نفرح إن مات الشخص في مكان جيد ولكننا لا نجزم بأنه من المقبولين الأخيار، ولا يجوز أن نحكم عليه من خلال ذلك والعكس صحيح، مؤكداً على أن من يتدخل في تفسير أحوال خواتم الناس بعد الموت إنما هو جاهل ويجب أن يحذر حتى لا يتألى على الخالق –سبحانه–، فربما يغفر الله للعاصي بسبب سوء ظن العباد به. عوامل ثلاثة وأوضح د. عيد شريدة العنزي –أستاذ الخدمة الاجتماعية ووكيل كلية إدارة الأعمال للشؤون الأكادمية والتعليمية بحوطة بني تميم– أن إطلاق الأحكام على الأفراد وحتى على الموتى من خلال الخاتمة يعود إلى ثلاثة عوامل أساسية؛ الأول: ضعف الوازع الديني، فلا يجوز أن نقيّم الآخرين ونحكم عليهم وعلى درجة صلاحهم من خاتمة الموت؛ لأن ذلك يدخل ضمن علم الغيب، والثاني: أن بعض أفراد المجتمع يهتم بأمور الآخرين أكثر من اهتمامه بذاته، فينشغل بعيوبهم وبتصيد الأخطاء فيتحدث عنهم وعن صفاتهم أو أسلوب حياتهم، وينسى أنه يجب أن يركز على تنبية ذاته وإصلاحها، أمّا الثالث: فهو الاستمرار على الخطأ مع موت الضمير، فأصبح الشائع أن يوجه البعض النقد للآخرين حتى الموتى منهم لمجرد التحامل دون أن يتأمل في تلك الأحكام فيقيّم الآخرين من خلال وظيفته أو وضعه الاجتماعي، مبيناً أنه لو انشغل المرء بإصلاح عيوبه لكفاه، لكن حياة الإنسان أصبحت متداخلة من الناحية الاجتماعية مع الآخرين، حتى أصبح يصدر أحكاماً على الميت وعلى خاتمته وذلك من قبيل الجهل. انطباع أول وأشار د. العنزي إلى أن الإنسان سلوك ظاهري وداخلي، والسلوك الظاهري هو الذي يستند عليه المجتمع، فالمظهر العام يغلب على المجتمع الانطباع الأول، ولكن ربما اقترابنا من شخص نظن أنه سيئ نجد بداخله شخصا مختلفا وإنسانا حقيقيا وجيدا، ويحمل صفات نادرة، مبيناً أنه علينا ترك الحكم على الآخرين لمن يعلم بالغيوب وهو الله –سبحانه– وأن لا نصدر الأحكام على الميت من خلال ظاهر خاتمته، أو الطريقة التي كان يعيش فيها حينما كان حياً، فهناك من يظهر بسلوك الرجل الصالح وحينما نقترب منه نجده رجل سوء، والعكس تماماً، ذاكراً أن الحكم الظاهري هو الحكم المبدئي، وهو من تحكم الناس به، لكن لا يجب أن يدخل ذلك التقييم على الأموات والتأمل في خواتمهم وتصنيفها، داعياً إلى مراعاة الفرد لمجتمعه الذي يعيش فيه فلكل مجتمع سلوكيات وأخلاقيات محددة وعليه أن يحترمها، وأن يعمل وفق ما يبعده عن النقد الاجتماعي؛ لأن المجتمع أقوى من الفرد، فمتى ما اتفق السلوك الظاهري مع الباطن فالشخص يظهر متوازناً وفقاً لما يؤمن به مجتمعه. تسامح ووسطية وقال د. طلال الناشري –مدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بصحة جدة–: إننا مجتمع إسلامي وملتزم بالتعاليم الإسلامية الواضحة، والإسلام يمنعنا من التطير، وكل مجتمع يوجد فيه أفراد يحتاجون إلى التثقيف والخروج عن العادات القديمة التي لم ينزل الله بها من سلطان، ومن تلك العادات تقيم حال الميت ومستوى إيمانه من خلال خاتمته حينما يموت، أو يحكم على شخص توفي بوضع معين بأنه من أهل الجنة أو من أهل النار، فتلك أمور لا يجوز أن نحكم عليها، فهي غيبية في علم الله، مضيفاً أنه من الممكن أن يتم ذكر حسنات الشخص المتوفى خاصةً حينما يكون إنسانا صالحا وله أعمال خيرية كبيرة، فهذا لا مانع منه، ويدفع الناس إلى الدعاء له، لكن يجب أن يتصف الفرد بالعقلية المنفتحة والوسطية في الرأي، وعدم التزمت في الحكم على الآخرين، وذلك يستلزم منّا أن نكون كأفراد مندفعين للعلم ومحبين للمعرفة ولدينا القبول للآخر مع احترام خصوصية الآخرين، وأن لا نجعل من أنفسنا حكّاما على حياتهم أو طريقة موتهم، ذاكراً أن الدين الإسلامي دين تسامح وهو دين الوسطية والمغفرة والقبول، مُشدداً على ضرورة حسن الظن بالله وأن لا نجعل من أنفسنا قضاة وحكاما على الأشخاص حينما يموتون، ونعلم بأن الله يغفر الذنوب جميعا إلاّ الشرك به. ابتعدوا عن الفضول وأوضحت سلمى عيد – تعمل في غسيل الأموات– أنها كثيراً ما تعجب من أحوال الكثيرين من أهل الميت وأقاربه حينما يسألونها عن علامات الميتة حينما تقوم بتغسيلها، وكأن البعض أصبح يتكهن بمصير الميت من خلال علاماته، مضيفةً أن البعض من الموتى فعلاً تظهر عليهم علامات طيبة وأخرى سيئة، لكن ذلك لا يعطي الحق للآخرين سواء من الأقرباء أو الأصدقاء أن يتتبعوا حال علاماته، فتلك من الأمور التي يجب أن تحفظ ضمن أسرار الميت، مبينةً أن هناك من النساء من وجدت بهن علامات طيبة على الرغم من أنه لم يعرف عنهن أي عمل ظاهر في الخير، وهناك نساء عرفن بالسيرة الجيدة وعلاماتهن كانت محايدة، لافتةً إلى أن تلك أمور تتعلق بالغيب، ولا يجب أن يدفع البعض الفضول لتتبع خاتمة الميت حتى إن زعم البعض أنها من أجل الاطمئنان على ميتهم كما يعبّر بذلك بعض الناس. الميت ينتظر الدعاء وليس تحليل كيفية وظروف وفاته الجزم في إطلاق الأحكام على الميت جهل وضعف إيمان البعض انشغل بغيره أكثر من ذاته د. عيد العنزي د. طلال الناشري أحمد الهاشم