نحن في الخليج نرحب بالهند، الصديق والجار القديم، الذي ستبقى تربطنا به روابط ثابتة وقوية لا تهتز، بأي شكل من الأشكال، وفي أي ظرف من الظروف سارت الهند، في السنوات العشرين الماضية، بخطى وئيدة لتطوير قدراتها الدفاعية، على مختلف الأصعدة، الأمر الذي جعل منها قوة عظمى عسكرية، بالعديد من المعايير، التقليدية والاستراتيجية. وسوف تغدو الهند في وقت قريب قوة عسكرية كبرى، وسوف ينعكس ذلك على دورها الإقليمي والدولي، ومكانتها بين القوى العالمية. وإن النمو السريع للاقتصاد الهندي يعزز فرص تنفيذ برامج التسلّح الطموحة، كما أن المسار الجديد لعلاقات الهند الخارجية يخدمها هو الآخر في هذا الاتجاه. ويبلغ تعداد القوات الهندية 1.315 مليون عنصر، وفق مؤشرات العام 2010 – 2011، بينهم 127.2 ألفا في القوات الجوية و58.35 ألفا في القوات البحرية، وأكثر من 1.1 مليون في القوات البرية. وتمتلك الهند 4047 دبابة قتال رئيسية، و11258 قطعة مدفعية. وقد جاءت التجارب النووية الهندية في أيار/ مايو 1998 لتكرس نيودلهي دولة نووية، وتبع ذلك بروز الهند كقوة عسكرية في جنوب آسيا. على صعيد قدراتها البحرية، أدخلت الهند في الخدمة أول حاملة طائرات، في حدث هو الأول من نوعه في تاريخ البلاد. وعلى الرغم من أن سلاح الجو يحظى بالنصيب الأكبر من برامج تحديث القوات التي تقوم بها الهند، إلا أن سلاح البحرية يمثل رهان البلاد لإثبات حضورها في المحيط الهندي، الذي بات ساحة منافسة كبيرة بينها وبين الصين، كما بين هذه الأخيرة والولايات المتحدة. وتشكل الفرقاطات والمدمرات والغواصات الروسية الصنع أكثر من 65% من تجهيزات البحرية الهندية، وقد بدأت عملية تحديث لأسطولها من الطائرات والمروحيات، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية. وأقامت البحرية الهندية قيادة عسكرية إقليمية في سلسلة جزر "نكوبار واندمان" (Andaman & Nicobar)، التي تبعد نحو 1190 كيلومتراً عن الأراضي الهندية. ويُعد هذا المشروع جزءا من البرنامج الاستراتيجي الهندي، الذي يُركز على تأمين المصالح الهندية في غرب آسيا، أي سواحل باكستان ومياه بحر العرب، وصولاً إلى الشرق حيث خليج البنغال وبحر أدمان، باتجاه سواحل بنغلادش وميانمار وتايلاند. ويعني هذا أيضاً أن النفوذ الهندي البحري يراد له الامتداد باتجاه إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، حيث مضيق ملقا. والأمر الملحوظ في هذا الخصوص هو أن الهند قد دخلت في اتفاق أمني مع فيتنام يمهد الطريق لوصولها إلى بحر الصينالجنوبي. وتاريخياً، شارك الأسطول الهندي أساطيل الكومنولث الأخرى في المناورات المشتركة، منذ العام 1949 حتى حرب العام 1965 مع باكستان، بما في ذلك الأسطول الأسترالي، البريطاني، والباكستاني. وانسحب الأسطول الملكي البريطاني من المحيط الهندي، فتحرك الأسطولان الأميركيان السادس والسابع لسد هذا الفراغ. وفي ظل تدهور العلاقات الهندية - الأميركية، وبخاصة بعد التجربة النووية الهندية في مايو عام 1974، ظل الأسطول البحري الهندي معزولاً. وقد جرت أول مناورة مشتركة مع الأسطول الأميركي كجزء من سلسلة مناورات"مالابار"في العام 1994. على صعيد آخر أمني، أجرت الهند، في 19 نيسان/ أبريل 2012، تجربة ناجحة لصاروخ باليستي متوسط المدى أكثر تقدماً (أي الصواريخ التي يبلغ مداها بين 3000 – 5500 كيلومتر)، لتصبح بذلك سابع دولة في العالم تحوز على هذا النوع من الصواريخ الباليستية، وذلك بعد كل من إسرائيل والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. والصاروخ المعني هو الصاروخ (Agni -5)، الذي يفوق مداه الخمسة آلاف كيلومتر. وقد أطلق من قاعدة في عرض البحر، قبالة ولاية أوريسا في شرقي الهند. على المستوى الدبلوماسي، يُمكن القول إن سياسة عدم الانحياز قد عنت تاريخياً بالنسبة للهند الابتعاد عن الغرب سياسياً واقتصادياً، واعتماد اقتصاد موجه، قريب من نماذج أوروبا الشرقية، وإن لم يصل إليها. وكان عدم الانحياز يترجم هندياً أيضاً بموازنة الحضور الأميركي في باكستان بروابط دفاعية مع الاتحاد السوفياتي، تجارية الشكل، لكنها استراتيجية المضمون. وعنت هذه السياسة، من جهة ثالثة، الاقتراب من السوفيات لموازنة الصين، التي دخلت الهند في عداء مديد معها. اليوم، لا تزال الهند تمثل الثقل الرئيسي في كتلة عدم الانحياز، إلا أنها باتت، في الوقت نفسه، حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة، بموازاة استمرارها "حليف أمر واقع" لروسيا – كما كانت تصفها الدراسات الغربية إبان الحرب الباردة. إن التعريف الأكثر دقة لعلاقات الهند الدولية الراهنة، هو سياسة البحث عن الفرص الجديدة، في ظل التمسك بما كان متاحاً من فرص. وقد تطوّرت علاقات الهند بمنطقة الخليج على مدى عصور غابرة من الزمن، وبات يصعب الفصل بين الجانبين على أي مستوى من المستويات. على المستوى الاقتصادي، يبلغ حجم التجارة الهندية مع أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية 101 مليار دولار، وفق مؤشرات العام 2015. وتبلغ صادرات الهند لدول المجلس 41.9 مليار دولار، ووارداتها منها 59.1 مليار دولار، وفق مؤشرات العام ذاته. وتصنف أقطار المجلس مجتمعة كأكبر شريك تجاري للهند، بنسبة تصل إلى 18.6% من إجمالي تجارة الهند الخارجية - كما في العام الماضي. في بعد آخر لعلاقات الهند مع دول المنطقة، زاد عدد العمالة الهندية في الخليج، منذ منتصف السبعينيات حتى الآن، بأكثر من 22 ضعفاً، ووصل إلى نحو ستة ملايين شخص، تقدر تحويلاتها السنوية بنحو ثلاثين مليار دولار، بينها أكثر من سبعة مليارات دولار من المملكة العربية السعودية. ومن جهة أخرى، تشير بعض التوقعات إلى أن الهند قد تكون أكبر مستورد للنفط في العالم بحلول عام 2050، وأنها سوف تلبي احتياجاتها من الطاقة، والتي تزيد على 60% سنوياً حتى عام 2020، من منطقة الخليج، التي ستبقى المصدر الأساسي لواردات الهند النفطية، كونها توفر أكثر من 65% من احتياجاتها الطاقوية. وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مصدري النفط للهند، بنسبة تصل إلى 20% من إجمالي الواردات الهندية. وإضافة لأبعادها التجارية والمدنية العامة، تطوّرت العلاقات السعودية - الهندية على المستوى الدفاعي مع زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لنيودلهي في شباط فبراير من العام 2014، وذلك حين كان ولياً للعهد، وكانت تلك أول زيارة رفيعة المستوى إلى الهند منذ عام 2006، بعد أن زارها آنذاك المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وقد تم التوقيع، خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين عام 2014، على اتفاقية التعاون الدفاعي بين البلدين، حيث سعت مذكرة التفاهم المشتركة لتعزيز التعاون في مجال الدفاع من خلال تبادل الخبرات والتدريب والعلوم العسكرية. إلى ذلك، كانت الهند، على صعيد ملاحي، في طليعة الدول التي أرسلت قوات مسلحة للتصدي لظاهرة القرصنة قرب سواحل الصومال على بحر العرب. وقد سيّرت الهند السفينة الحربية "أياناس تابار"، بعد أن قالت شركات الشحن الهندية، إنها تخسر 450 ألف دولار شهرياً، جراء زيادة التكاليف، والتأخّر في الوفاء بالجداول الزمنية المتفق عليها. وقالت الرابطة الدولية لأصحاب الناقلات المستقلين، إن رسوم التأمين على السفن التي تمر عبر خليج عدن ارتفعت بنحو 10% بين صيف العام 2008 وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر منه، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المرور عبر قناة السويس. وتزيد تكلفة تشغيل السفينة التي يجري تحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح بما يصل إلى ثلاثين ألف دولار يومياً. وقد بدأت البارجة الهندية "أياناس تابار" نشاطها هناك في أوائل أكتوبر 2008. وهي مزودة بأسلحة اشتباك متقدمة، كما تحمل على متنها مروحيات عسكرية. وأشارت وزارة دفاع الهند إلى "إن وجود البحرية الهندية في المنطقة سوف يساعد في حماية تجارتنا البحرية وغرس الثقة لدى بحارينا". وتبحر 25 سفينة هندية شهرياً، على الأقل، في خليج عدن. كما تنطلق من الهند العديد من السفن الدولية، التي تقوم بدوريات في بحر العرب. وعلى نحو عام، يُمكن القول إن تطوّر العلاقات الهندية- الخليجية يُعد مصلحة إقليمية ودولية، بقدر كونه رغبة مشتركة، وهو يعكس حقائق الجغرافيا والتاريخ والاجتماع البشري. ونحن في الخليج نرحب بالهند، الصديق والجار القديم، الذي ستبقى تربطنا به روابط ثابتة وقوية لا تهتز، بأي شكل من الأشكال، وفي أي ظرف من الظروف. وخلاصة، فإن السياسة الهندية عامة تترجم في مضمونها ومسارها الراهن، على كل، الحقائق الجديدة في فضاء الساحة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وهي تعد عامل رفد للاستقرار الإقليمي، بما في ذلك استقرار الخليج العربي. [email protected]