مازلت أؤمن بأن مفهوم الصداقة أصبح مربكا، أو تغيرت معاييره على أقل تقدير، بعدما صارت العلاقات الافتراضية تصنف ك»صداقات». وبغض النظر عن دقة ذلك من عدمه، إلا أنه يظل شيئا طارئا على الطبيعي، المتمثل في محدودية الأصدقاء في حياة كل شخص، بحسب الأجيال السابقة، وكذلك الدراسات، لكن لا شيء يبقى للأبد، فربما تتغير هذه المفاهيم، ولكن يجب أن ترصد، وتتم بتدريج واضح، أو معلوم من قبل ذوي الاختصاص. الحقيقة، توقفت عند دراسة حديثة، منشورة قبل أيام، شملت 15 ألف شخص بفئة عمرية تتراوح بين 18-28 سنة يعيشون في بيئات مختلفة، كشفت عن أن الناس مع عدد أقل من الأصدقاء هم أكثر ذكاء وسعادة، وهو الأمر يعد مشابها لواقعنا، الذي تقوقع في العوالم الرقمية، وصرنا نشعر بإحاطة الناس ولكن لا نعيش معهم، نعتقد أنهم قريبون، والحقيقة أننا مجرد حسابات تفاعلية في أفضل حالاتنا، بلا مشاعر ولا انفعالات حقيقية غالبا، ولكي تثبت فرضية ذلك، حاول أن تراقب شعورك الحقيقي، وأنت تزعم الضحك على منصة رقمية. الغريب، أو ليس غريبا، بل واقع لا نعلمه، تقول الدراسة، المنشورة في مجلة بريطانية لعلم النفس مؤخرا، ونقلته بعض المواقع الإلكترونية، إن «هناك فكرة تسمى بنظرية (السافانا) للسعادة، وتقول إن الإنسان ليس فقط مجموعة من الجينات، بل مجموعة من ذكريات الأجداد أيضا، إذ لا تزال الفطرة البشرية لكثير من السكان تميل بطبيعتها إلى الحياة البدائية التي تمتع بها أسلافنا، إذ إن الهدوء وقلة الاختلاط تجعل الناس أكثر سعادة». وهو الشيء الذي قد لا يصمد طويلا، أعني الميل لحياة الأجداد المختصرة، بفضل انفتاح الشعوب على بعضها، وكذلك سهولة الوصول والبث والتحدث لأكبر قدر من الناس، أو الأصدقاء، بانسيابية تامة، وهو ما ينبئ بشكل طبيعة حياة جديدة، تحتاج أكثر رصدا وتحليلا وفهما. لافت أيضا ما أشارت إليه الدراسة، حول «أن المثقفين والأشخاص الذين يمتلكون مستويات مرتفعة من الذكاء مقارنة بمتوسطي الذكاء، ينسجمون مع أنفسهم ولا يعتمدون في حياتهم على التواصل مع الآخرين، وإنما يحتاجون إلى التواصل الوثيق من وقت إلى آخر، وإن عقل الإنسان الذكي يعمل في اتجاه واحد، لذلك فإن العباقرة يفضلون الوحدة، وبالتالي فقلة من الناس يتفهمونهم ولديهم القدرة على تقبلهم»، وقد تختلف الأمور، خاصة مع تحول سلوكيات المثقفين أخيرا، في معظم دول العالم، وانصارهم - تقريبا - بطرائق شعبوية مع الجميع. الخلاصة إن «الأفراد الأكثر ذكاء هم في الواقع غير راضين عن الحياة الاجتماعية الصاخبة، ومن حولهم الكثير من الأصدقاء، وأيا كان التفسير فهذا لا يعني أن الناس الأذكياء لا يحبون وجود أصدقاء، لكن الدراسة عزت أنهم ربما لا يرغبون بوجود عدد كبير جدا، إذ إن الوحدة من شأنها أن تزيد التواصل الاجتماعي أكثر والتفاعل بطريقة أفضل عندهم لأنهم يكونون محاطين بمجموعة أصدقاء محددة تجعل التواصل معهم أفضل بكثير من هؤلاء الذين لديهم أصدقاء أكثر»، لذلك قارن حياتك، وقرر! والسلام [email protected]