مع نجاح ضئيل لا يكاد يذكر بين تجارب أكثر اخفاقا فقد أضحى الحديث عن فشل الأندية السعودية في اختيارات اللاعبين الأجانب، من الأحاديث المملة جماهيريا وإعلاميا مع تكرار الأخطاء ذاتها من موسم إلى موسم، إذ لم يعد سرا أن هذا الملف يَأْتِي في صدارة الملفات التي كبدت ميزانيات الأندية خسائر مادية فادحة، ولم يكن ذلك كافيا لمعاقبة فشل الاختيار، بل ربما يتبعه دخول متعرج في متاهات فك الارتباط مع اللاعب، بطريقة ودية تحفظ للطرفين حقوقهما، أو التوجه معا نحو المؤسسات الرياضية القضائية على الصعيدين المحلي والدولي للفصل بين النادي واللاعب. تواصل الاخفاق بصورتيه الجزئية والكلية لمواسم عدة، لم يكن محفّزا لبعض إدارات الأندية في بحث العوامل التي تؤدي إلى هذا الفشل المتكرر في عقد صفقات ناجحة مع لاعبين أجانب، فالمشهد هو ذاته عند مطلع كل موسم، عندما تكتظ المطارات برحلات اللاعبين الأجانب القادمين للدوري السعودي، وسط زفة جماهيرية كبيرة، وتغفل الكثير من إدارات الأندية تهيئة البيئة المناسبة للاعب الأجنبي بل تعمد أيضا لتأخير حقوقه وزيادة معاناته بعيدا عن أسرته وموطنه، وبعد أن تلجأ الأندية بعد فترة قصيرة للاستغناء عن اللاعبين الأجانب، لا يرافقهم في رحلة العودة سوى حقائب السفر، لتبدأ الأندية بالاستعانة بلاعبين مماثلين، في مسلسل لا ينتهي خصوصا والهدف القصير هو تكملة ما تبقى من مشوار الاستحقاقات المحلية دون هدف استراتيجي على المدى البعيد، وهذا ما يكلف خزائن النادي أموالاً طائلة، في الوقت الذي تعاني فيه الأندية من تدني الميزانيات وشح كبير في الموارد المالية، كما يساهم الاخفاق في الخيارات الأجنبية في افتقاد عنصر الاستقرار الفني بشكل عام داخل تركيبة الفريق، ما ينعكس سلبًا على الأداء والنتائج، وربما يطول تأثيره كذلك على مستويات اللاعبين المحليين في الفريق، في صورة مغايرة لما يجب أن يكون عليه الحال. الملاحظ في هذا الإطار ارتفاع أصوات المنادين بتقليص العناصر الأجنبية في الملاعب السعودية من أربعة إلى ثلاثة في الأعوام الأخيرة، بل ذهب البعض إلى نجاعة اكتفاء الفريق بلاعب أو اثنين مميزين في ظل صعوبة الوصول لاستقطاب أربعة يملكون إضافة فنية ملموسة، ويبقى فشل تعاقدات الأندية ناتجا طبيعيا لغياب الأسس الفنية في عملية الاستقطاب، فهناك بعض المدربين الذين تفرض عليهم بعض العناصر المحددة بسبب تعاقدهم مع الفريق بعد اختيار اللاعبين، والبعض الآخر لا يملكون القرار النهائي حيال ملف التعاقدات، لذا غالبًا ما يتصدى الإداريون أنفسهم لملف اختيارات المحترفين، دون علاقة مباشرة بالجوانب الفنية، فلا يمكن حينها تقييم اللاعبين بالشكل الصحيح، وتحديد المحترف المناسبة امكاناته للفريق، فيبدأ العمل بالدوران بطريقة عشوائية، يعتمد على السير الذاتية أو الصور والمقاطع المتحركة، من دون تدقيق أو تمحيص، وحتى عندما تسند تلك المهمة للمدربين فإنّ البعض منهم تحكم خياراته الأهواء والمصالح الشخصية أحيانًا وفق تجارب واقعية فيصبح مصيرها فعليا هو الفشل. الدول الرائدة كرويا لا تخلو ملاعبها من اللاعبين الأجانب، الذين ساهموا في رفع مستوى اللعبة ووصولها لمراتب متقدمة، ولهذا فإنّه لابد من الوقوف طويلا من أجل التفكير في خطوات واقعية وحلول جذرية تصاغ لمعالجة الأوضاع الراهنة في هذا الصدد، وانقاذ ميزانيات الأندية من تحمل المزيد من الديون المتراكمة، وفي مقدمة الحلول تجنب الخلل الكبير في إبرام العقود مع اللاعبين الأجانب، ومن ذلك غياب القانوني المختص عند كتابة العقود وهو ما يوقع الكثير من الأندية بداية في فخ الشروط الجزائية المالية الباهظة التي يطالب بها اللاعبون الأجانب، ووضع البنود الواقعية التي تحمي النادي من الوقوع في الأزمات المالية جراء فسخ عقود هؤلاء اللاعبين. ومن المهم أن تتعلم الأندية من التجارب السابقة، وتحسن فعلا اختيار اللاعبين المميزين وفق إمكانات النادي المالية، وليس للمباهاة أو مراضاة الجماهير ثم تلجأ إلى معالجة الخطأ بأخطاء أشد فداحة.