غيّر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مسار طريقه بعد بدء محاولة الانقلاب الفاشلة، ليحوّل المنزل الذي أقام فيه إلى مقر، عملَ فيه على تلقي المعلومات الواردة من أنقرة طوال الليلة. في 15 يوليو كان بن علي يلدريم في القسم الآسيوي من إسطنبول، ومع بدء محاولة الانقلاب توجّه نحو أنقرة، ومع ازدياد المخاطر الأمنية في العاصمة، توجّه نحو ولاية أخرى، ليمضي ليلته في منزل قائم مقام، صديق له، محوّلا منزله إلى مقر. وعمل يلدريم على اختيار الطريق البرية بسبب الخطورة الأمنية التي من الممكن أن يحملها الرحلة الجوية في تلك الليلة، ومع ازدياد خطورة الوضع الامني في أنقرة، عمل موكب رئيس الوزراء على تغيير مساره من أنقرة إلى ولاية كاستامونو التابعة للبحر الأسود. وبينما يلدرم في طريقة نحو كاستامونو وقف مع الوفد المرافق له في إحدى المباني الإدارية التابعة لإنشاء الطرق البرية، في منطقة إيلاغاز لأخذ استراحة استمرت ل1.30، عمل يلدريم طوال تلك المدة على تلقي معلومات من أنقرة حول آخر المستجدات. وفي أثناء مغادرة يلدريم منطقة إيلاغاز حدث أمر غير متوقع، إذ تم إطلاق النار من قبل الدرك على السيارة التي خلف موكبه، ومع عدم استتباب الأمن في أنقرة، قضى ليلته في منزل قائم مقام صديق له، في ولاية كاستامونو. وتشير صحيفة "يني عقد" التركية إلى أن يلدريم حوّل منزل القائم مقام إلى مقر، عمل فيه طوال تلك الليلة على تلقي المعلومات الواردة من أنقرة. واستغرقت عودة يلدريم إلى أنقرة بعد سيطرة الحكومة على الوضع، وإحباط محاولة الانقلاب، حوالي 12 ساعة. ومع فشل المشاركين في محاولة الانقلاب، بدأت الكثير من الخيوط المتعلقة بالتخطيط للمحاولة المشهودة بالانكشاف شيئًا فشيئًا. وذكرت صحيفة يني شفق أن الجنرال الأول حسن بولت، أحد الضالعين في المحاولة، زار قاعدة إنجيرليك قبل الانقلاب واجتمع مع الضباط الأميركيين المتواجدين بها 12 مرة، مشيرة إلى أن وثائق الانقلاب أفصحت عن الخطط الدموية الوحشية التي كان ينوي الانقلابيون تنفيذها لتثبيت دعائم انقلابهم الفاشل. ونقلت يني شفق عن مصادر عسكرية مطلعة أن قائد الكتيبة 39 في الجيش حسن بولت التقى بضباط أميركيين على مستوى رفيع، تنوعت رتبهم ما بين ضابط ومقدم وكولونيل، موضحةً أن المدعو سلم الضباط الأميركيين قائمة بالأسماء التي يجب التخلص منها في حال نجاح الانقلاب. وأشارت الصحيفة إلى أن الركن الأساسي في خطة الانقلابيين، كان السيطرة على مدينتي أنقرةوإسطنبول والتي تكفل نجاح محاولة الانقلاب، لأن من يسيطر عليهما يسيطر على تركيا. وأضافت الصحفية أن الانقلابين الإرهابيين كانوا بصدد استهداف مراكز المدن بألف صاروخ، ونشر الفوضى في مراكز المدن من خلال إطلاق النار بشكل عشوائي، مما كان سيسفر عن وقوع آلاف الضحايا. كما أفادت يني شفق بأن الشرطة التركية سيطرت في 18 يوليو 2016 على الأكاديمية الجوية الحربية في إسطنبول، ووجدت في القاعدة وثائق الانقلاب مُلقاة في القمامة القريبة من الأكاديمية. وأكّدت الصحيفة أنه تم اعتقال 25 ضابطا على إثر العملية، مشيرةً إلى أن كاميرات المراقبة كشفت أنه قبل وصول الشرطة إلى المكان، عمل المتهمون على تخريب الاسطوانات المستخدمة في تسجيل خططهم الانقلابية. ووفقًا للصحيفة، فإن الشرطة لم تجد أي قطعة سلاح في المخازن، وبعد التحقيق تبيّن أن كافة الأسلحة أُرسلت للقوات البرية لاستخدامها في الانقلاب. وذكرت صحيفة صباح التركية في تقريرها "نقود ووثائق في قاعدة إنجرليك" أن الطائرات التي استخدمها الانقلابيون حلقت في الجو طويلًا، مما اضطرها للهبوط في قاعدة إنجرليك 3 مرات للتزود بالوقود، وقد عملت محافظة ولاية أضنة التي تحتضن قاعدة إنجرليك بداخلها على إقناع الانقلابيين بالكف عن انقلابهم من خلال الاتصال بقادة القاعدة وقادة القوات المتواجدة في نقاط أخرى من المدينة، ولكن القادة لم يعيروا اتصالات المحافظة أي اهتمام. وأضافت الصحيفة أن عددًا من القادة طلبوا من الضباط الأميركيين الموجودين في القاعدة، اللجوء السياسي إلى أميركا، عقب شعورهم بفشل محاولتهم الانقلابية. ونقلا عن وثائق التحقيق الصادرة عن نيابة إسطنبول، بيّنت صحيفة صباح أن أغلب الجنود المشاركين في محاولة الانقلاب أكّدوا أنهم خُدعوا للمشاركة فيها، مضيفةً أن معظمهم أكدوا أن قادتهم أقنعوهم بضرورة الخروج إلى الشارع لمساندة الشرطة في مجابهة الإرهاب. ونوّهت الصحيفة إلى أن الضابط في القوات البرية أوزغور ب. قال: "خرجت من الثكنة لمساندة الشرطة، ولكن ما إن وصلت المكان الذي طُلب مني الذهاب إليه، حتى علمت أننا بصدد القيام بعملية انقلاب مخزية"، مؤكّدا أن الكثير من الجنود أجهشوا بالبكاء أمام الجماهير وفي أحضانهم، عقب اكتشافهم أنهم خدعوا بهذا الشكل. يُذكر أن مصادر ميدانية أكّدت أن الكثير من الجنود رفضوا إطلاق النار على المواطنين وفضلوا تسليم أنفسهم منذ اللحظات الأولى لعلمهم بوجود انقلاب عسكري، إلا أن بعض الجنود الآخرين أصروا على الاستمرار في عملية الانقلاب حتى تمت السيطرة عليهم من قبل الشرطة. الى ذلك ذكرت وسائل إعلام تركية أن المحققين عثروا على وثيقة يبدو أنها تشير إلى أن المخططين للانقلاب كانوا ينوون اتهام الرئيس رجب طيب أردوغان بمساعدة منظمة "حزب العمال الكردستاني"، المحظورة في البلاد. وأكد مسؤول حكومي ما نقلته وكالة "الأناضول" التركية للأنباء من أن الاتهامات كانت ستوجه أيضا إلى رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ورئيس المخابرت هاكان فيدان. وكان الاتهام سيشير إلى عملية السلام بين الحكومة وقيادة حزب العمال الكردستاني التي بدأت بصورة سرية عام 2009 وانهارت في النهاية العام الماضي. وفي عام 2012، كانت هناك محاولة من قبل ممثلين للادعاء لاستجواب وإلقاء القبض على فيدان، الذي كان يقود المحادثات السرية مع حزب العمال الكردستاني. واتهمت السلطات الموالين لعبدالله غولن في سلك القضاء بالتحرك ضد فيدان، وتردد أن هذا كان من الأسباب الرئيسية للتوترات بين أردوغان والمنظمة، والتي تدهورت في النهاية إلى قطيعة كاملة. بن علي يلدريم اضطر إلى سلك طرق مختلفة لتجنب الانقلابيين «ا ف ب»