إن عملية تفكيك الجاذبية التي يتمتع بها الفكر المتطرف والفكر الجهادي والهوية الصحوية ليست سهلة المنال لأنها تتطلب المرور عبر مسارات تعيد صياغة الهوية الوطنية وحصرها في الهوية الذاتية التي تنطلق من الفرد.. في القرن الأول من انطلاقة الإسلام تحددت الكثير من المعالم السياسية وتشكلت أبنية وأنساق مجتمعية وعسكرية متعددة ساهمت في بناء صور سياسية وتشكيلات طبقية وفكرية، وتأخرت الأبنية العلمية وبناء التراث الإسلامي حتى نهاية القرن الثاني عندما بدأ جمع السنة النبوية، وقد ساهمت هذه الصورة التاريخية في بناء وجهي الإسلام الفكري والسياسي بشكل متفاوت حيث ساهم القرنان الأول والثاني من الإسلام في بناء صورة سياسية وصور عسكرية بحتة لم تكن مندمجة بصور تراثية أو علمية لتفسيرات الإسلام المتعددة التي أحدثها جمع السنة بعد نهاية القرن الثاني. بصورة أكثر مباشرة يمكن القول إن القوة الصلبة في التاريخ الإسلامي والمواجهات السياسية والتحولات العسكرية والطائفية سبقت القوة الناعمة التي تمثلت في جمع السنة النبوية ونشوء التيارات الفكرية، لذلك فمن الطبيعي أن يتأثر جمع السنة بكل المكونات السياسية والعسكرية والطائفية التي سبقته بقرنين من الزمان، التأثير الذي تركه القرنان الأول والثاني في تاريخ المسملين شكل التراث بطريقة أسهمت في بناء هويات إسلامية متأثرة بالصراع السياسي والعسكري والطبقي الذي ساد العقود الأولى من الإسلام، حيث تم بناء التراث الإسلامي بطرق متعددة ساهمت في وضع التراث الإسلامي في قوالب متأثرة بالاتجاهات السياسية السائدة والاتجاهات الطائفية لهذا السبب يلمس العالم أجمع حساسية التنافس والصراع في البيت الإسلامي كنتيجة طبيعية وانعكاس مباشر لتلك الأبنية والأنساق التي شكلها التاريخ الإسلامي. الإرهاب كعمليات عنف منتج عالمي ليس له علاقة بالأديان في تعريفه العام، ولكن الأزمة التي تواجه المسلمين اليوم تكمن في أن الإرهاب ليس تعبيراً حديثاً لواقع متداول، فاللغة الفكرية التي بنيت عليها فكرة الإرهاب لدى المسلمين ذات جذور تاريخية تعيدنا دائماً الى اللحظات الأولى من معارك المسلمين وأزماتهم السياسية بعد وفاة الرسول عليه السلام. الحقيقة التي تملأ الأفق اليوم أننا أمام أزمة وجهي العملة الواحدة وحدّي السيف الواحد، وذلك هو الإسلام، فالموقف التاريخي يصعب مناقشته في مساحة مفتوحة فقد تأصل تاريخ المسلمين مع كل أسف وفقاً لمواقف فكرية واتجاهات وليس مسارات عقدية، ولكي أسهل هذه الفكرة بشكل أكثر فإنه يمكنني القول بأن تفسيرات الإسلام وفي جميع طوائفة وأفكارة اعتمدت آراء شخصية لمؤثرين اختلطت مواقفهم الشخصية من الآخر بتحليلات عقدية أكثر استقلالية حول الإسلام، نحن نفتقر إلى القول في القضايا المطروحة بيننا (بأن هذا رأي الإسلام..) لا يوجد لدينا مثل هذه الأفكار بينما نحن مصابون بالتخمة من أن هناك (رأي فلان في تفسير الإسلام). هذه الأفكار تعبر عن عجز كبير في تحديد مكونات مشتركة لدى المسلمين، والدليل على ذلك ان المشتركات بين المسلمين والمتمثلة في الأركان الخمسة لا تعني لهم شيئا في مقابل الاختلاف في تفاصيل دقيقة حول موقف كل فئة او طائفة او طبقة سياسية أو جماعة فكرية، ومن هذا المنطلق أتت أزمتنا وسوف تظل لأن عملية محاربة الإرهاب لا يمكن أن تتم لأن هناك من وضع الإرهاب في دائرة فكرية نجدها على الوجه الآخر لعقيدتنا وعلى الحد الآخر لسيف الإسلام الذي نلجأ إليه في حسم قضايانا الفكرية، وهنا يكمن السؤال الأكثر تعقيداً حول من يخلصنا من هذا الإرهاب الذي يلتصق بتراثنا ويؤثر على مساراتنا الفكرية. كل ما يمكن أن يكون ذا خطورة أكبر هو أن تستمر قدرات الجماعات المتطرفة في لعب دور أكبر في تجنيد الشباب انطلاقاً من معطيات تاريخية يصعب علينا مناقشتها، لأنها أصبحت عبر التاريخ مسلمات عقدية أكثر من كونها تفسيرات علمية لعلماء مجتهدين في زمنهم، خلال العقود الأربعة الماضية كان التدين في مجتمعاتنا ينبئ عن تحولات فكرية حادة في الرأي والموقف من الآخرين من داخل البيت الإسلامي، لذلك كان من السهل القول بأن هوية تيارات الصحوة للجماعات السلفية والأصولية والاخوان المسملين وغيرهم التي انتشرت في عالمنا الإسلامي كشفت عن آليات صناعة التطرف وساهمت بشكل مباشر او غير مباشر في إيجاد تفسيرات سهلت الانتماء للإرهاب وخاصة ظاهرة التكفير التي انتشرت خلال العقود الماضية. الجماعات الإرهابية كما يمكن وصفها في عالمنا الإسلامي اليوم نوعان الأول جماعات تستخدم العنف في تبريراتها الدينية وتلجأ الى التفجير والقتل وبناء مفاهيم مثل الخلافة وخلط الأوراق بين مكونات الإسلام الطائفية والفكرية، النوع الثاني وهي لا تقل خطورة عن الأولى وتستخدم القوة الناعمة التي تؤدي الى العنف في نهاية المطاف وتعمد في تفسيراتها الدينية أساليب التكفير غير المباشر عبر مصادرة الآخرين فكرياً أو اتهامهم بالكفر او الخروج عن الدين، ولعل النوع الثاني يشكل خطورة اكبر على المجتمعات لانه يمارس دوره الخطير انطلاقا من معطيات مدونة في التراث ومعتمدة كمرجعية صارمة في المجتمعات. إن عملية تفكيك الجاذبية التي يتمتع بها الفكر المتطرف والفكر الجهادي والهوية الصحوية ليست سهلة المنال لأنها تتطلب المرور عبر مسارات تعيد صياغة الهوية الوطنية وحصرها في الهوية الذاتية التي تنطلق من الفرد، والحقيقة التي يجب سماعها من الجميع اننا في سباق محتدم مع تلك الجماعات الإرهابية حول بناء وصياغة الهوية الذاتية للشباب في مجتمعنا فما نراه اليوم من أمثلة الانتماء إلى جماعات إرهابية ينحصر في الكيفية التي استطاعت من خلالها الجماعات المتطرفة التأثير على هويات أولئك الشباب. المخرج الأكثر وضوحاً أمامنا اليوم هو العمل على بناء هويات وطنية ذات أدوات ومفاهيم مختلفة بحيث يكون المجتمع والحكومة شركاء للشباب في بناء قيم مختلفة وهويات وطنية تركز بشكل كبير على الهوية الذاتية لكل فرد، لم يعد هناك متسع من الوقت لفرض هويات وطنية على الشباب الإسلامي تكون ذات إطار محدد يفرض على الجميع دون مراعات لتعدد القيم والهويات الجزئية الاتجاهات الفكرية. [email protected]