تخيلوا أن مارادونا لم يوجد. من المؤكد أن أكثر الناس سعادة بهذا الخبر هو أسطورة كرة القدم بيليه. على الرغم من كل القدرات الخارقة التي يملكها بيليه إلا أنها بدت غير خارقة في أعين ملايين الناس الذين شهدوا بعده بسنوات بزوغ لاعب خرافي مثل ماردونا. أكثر ما يزعج العظماء هو أن يأتي في نفس عصرهم أشخاص أعظم منهم لأنهم سيظلون مهما حققوا من نجاح في الصف الثاني وهذا ما حدث مع بيليه الذي سيكون اللاعب الأعظم في تاريخ كرة القدم لو لم يأت بعده ماردونا بسنوات بسيطة. هذا الشعور بأفضلية مارادونا على بيليه يجتاح مناطق كثيرة في العالم وقد كان ذلك واضحاً قبل يومين في جدة. لم يفكر أحد بحجز رحلة إلى جدة ليشاهد هذا النجم الكبير كما أن المحتشدين على بيليه ليسوا كلهم يشعرون معه بذات السحر الذي يملكه ماردونا. يقول فهد المشاري وهو أحد الشباب الذين تحلقوا حول بيليه: (أنا أحب بيليه كثيراً ولدي في البيت غالبية مبارياته مع المنتخب البرازيلي. بيليه لاعب مذهل ولكن لو سألتني من تفضل أكثر هو أم ماردونا سأقول لك إني أحب ماردونا ولكن لا فرق كبير بينهما). كيف يمكن قياس الأفضلية؟ تبدو هذه مسألة معقدة كثيراً فلدى كل منهما الكثير من المزايا الخاصة بهما. على الرغم من الجملة المشهورة لمدرب انكلترا الشهير آلف رامزي الذي قال فيها: (بيليه اقترب من الكمال أما ماردونا فهو الكمال بعينه) إلا أن هذا لا يبدو كحقيقة مؤكدة. ربما يتعلق هذا بالطبيعة الشخصية للاعبين أكثر من وجودهما في المستطيل الأخضر. على الرغم من السمعة السيئة لماردونا بسبب تعاطيه المخدرات ومشاكله التي لا تنتهي إلا أن هذا ربما الذي جعله يظهر بدور الموهوب المشاكس وهو على العكس بيليه المفرط في الأدب (لم يحصل على كرت أحمر طيلة حياته الكروية) وهذا ربما بعكس ما تريده لعبات حماسية ومثيرة مثل كرة القدم. فاللاعبون البارعون والمشاكسون يكونون في الغالب أوفر حظوظاً لمطاردة الإعلام وتعلق الجماهير. اليوم اللاعبون الذين بدون مشاكل يصبحون أقل إثارة من اللاعبين الذين يطردون كل يوم ولكن المتابعين الجيدين لكرة القدم يدركون أن بيليه الذي أصبح تاجراً كبيراً ووزيراً للرياضة أصبح يملك شخصية مزعجة بعد اعتزاله تهاجم زملاءه واللاعبين الصغار على عكس ماردونا الذي يحظى بصداقات متينة مع اللاعبين. في عام 2002 هاجم بيليه منتخب البرازيل المشارك في ذاك الوقت واصفاً إياه بالبعيد عن تحقيق البطولة ورد عليه سكولاري مدرب المنتخب أن بيليه لا يفهم شيئاً في كرة القدم. وفي الحقيقة أن بيليه بدا كاللاعب العجوز الغيور والذي يحشر انفه في كل صغيرة وكبيرة على عكس ماردونا الذي يظهر بصورة الرجل اللامبالي وهي الصورة التي تأسر الجماهير. نجومية بيليه كانت تلاحقه أينما تنقل في جدة على هيئة أفواج من المعجبين وحراسة كبيرة إلا من الواضح أن شبح ماردونا المقلق الذي يطارده كان يقلل من كل هذا.