المعلقات لم تعد نتاجاً لغوياً للعربية فحسب بل ترجمت إلى عدة لغات عالمية وتناولها علماء اللغة وعشاق الأدب في كل اللغات الحية بينما في العربية لا يتوفر لها سوى شروح قديمة في لغتها وأسلوبها وآلياتها النقدية والأدبية من هذا كان لابد من قراءة حديثة لها، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية كتاب المعلقات العشر شرح الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل الواقع في مجلدين من القطع الكبير والبالغ عدد صفحاته 1076 صفحة وقد اشتمل على تمهيد ناقش فيه مصطلح المعلقات وتاريخ هذا المصطلح والتسميات الأخرى لهذه القصائد وقضايا كتابتها وعددها وترتيبها باسطاً الآراء المتعددة في كل ذلك من خلال عدد كبير من المصادر والمراجع. ثم يأتي بعد ذلك شرح هذه المعلقات فيبدأ أولاً بحديث موسع عن الشاعر ونسبه وحياته وأهم الأحداث في حياته مستقياً ذلك من مصادرها الصحيحة والتحقق مما ورد في تلك المصادر بالاطلاع المستفيض في المصادر المختلفة وعدم الاعتماد على مصدرين أو ثلاثة فيصحح ما يرد فيها من أخطاء كما فعل عندما تحدث عن حياة الشاعر لبيد بن ربيعة العامري حيث ذاكر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء أن لبيد بن ربيعة العامري هو الذي قاد يوم حليمة وسايرة في ذلك البغدادي صاحب الخزانة ولكن الدكتور يصحح ذلك ويثبت بالأدلة أن يوم حليمة كان قبل ولادة لبيد بما يزيد على ثلاثين سنة فلبيد بن ربيعة لم يقد الجند في يوم حليمة وإنما الذي قاد الجند في ذلك اليوم هو لبيد بن عمرو العفساني، وهكذا لم تكن مهمة الدكتور هي النقل وإنما المناقشة والتصحيح لا كما يفعله المتأخرون بالاكتفاء بالنقل عمن سبقهم. وبعد الانتهاء من الحديث عن الشاعر يخرج معلقته تخريجاً يشمل اختلاف الروايات والنقص والزيادة في الأبيات من خلال جميع المصادر التي أثبتت المعلقة ثم يورد نص المعلقة ضابطاً كل حرف منها ضبطاً واضحاً مما يسهل قراءتها قراءة سليمة وصحيحة من قبل جميع القراء. ومنهجه بعد ذلك في شرح المعلقة منهج منظم حديث حيث يبدأ أولاً بشرح الألفاظ الغريبة وتحديد الأماكن الواردة فيها تحديداً دقيقاً بخلاف غيره من الشراح كما أشار إلى ذلك في مقدمته حيث يقول: (ولا أقول عن الكلمة (اسم موضع) كما يفعل الشراح الآخرون، فشروح المعلقات التي بين أيدينا من عمل علماء عاشوا خارج الجزيرة العربية أما هذا الشرح فهو من عمل مقيم في نجد وقد نشأ فيها أو عاش في أكنافها وزار جل الأماكن التي وردت في أبيات المعلقات، ومع المعرفة الشخصية فإنني أشير الى المصادر والمراجع التي حددت الأماكن، فهذا الشرح أول شرح يضيف التمديد الدقيق للأماكن الواردة في المعلقات).. ثم يشرح البيت شرحاً أدبياً واضحاً يجعل معناه قريباً من جميع القراء، وإذا كان بعض الأبيات يحتمل أكثر من شرح أثبت الشرح والشرحين أو الثلاثة حسب التوجيهات الواردة في مصادرها - كل ذلك بأسلوب حديث معاصر يزيل جميع الحواجز التي قد تعترض القارئ وفهمه للشعر الجاهلي القديم. وقد استند الدكتور في إثبات شعر المعلقات وفي شرحها على المصادر المعتمدة في ذلك ك: شرح ابن كيسان، وشرح ابن الأنباري، وشرح النحاس وشرح الزوزني، وشرح البتريزي، ودواوين الشعراء، ومنتهى الطلب، وأشعار الشعراء الستة الجاهليين، وجمهرة أشعار العرب، وكتب التراث المختلفة التي أوردها مثبتة في قائمة المصادر والمراجع في آخر الكتاب.