في مجموع المؤرخ الشهير إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270 - 1343ه) - رحمه الله - من العجائب والغرائب التي تتعلق في تاريخ نجد وأنساب سكانه ما يشعر القارئ أنه يقرأ أسفاراً من العلوم المختلفة لما يحويه هذا المجموع المخطوط من فوائد ونوادر لم تجد من يخرجها إلى النور رغم تداول هذا السفر بين الباحثين لسنوات طوال، وكان مرجعاً ومصدراً للكثير منهم خاصة في مجال كتب التراجم والأنساب لما فيه من معلومات قد لا توجد في غيره من المصادر المطبوعة وكان اعتماد ابن عيسى في جمعه لهذا المجموع على كتب لم تعد موجودة الآن، وكذلك وثائق تلف أكثرها لدى أصحابها. وأكثر الفوائد التي سطرها المؤلف - رحمه الله - هي الأحداث التي عاصرها وأدرك رجالها، حيث نقل في مجموعه كثيراً من الروايات الشفهية بعد أن ابتدأ باسم من يروي له قائلاً في عدة مواضع: ذكر لي فلان أو قوله: فلان بن فلان من البلدة الفلانية ذكر لي. وهذا المنهج زاد من أهمية ما يرويه من خبر أو نسب. وأهم ما يحويه المجموع هو وفيات الأعيان وتسلسل أنسابهم خاصة العلماء منهم والأمراء وأيضاً بيانه لما عثر عليه من أسماء المولفين والنسّاخ على المخططات الأصلية التي أطلع عليها واقتباسه لأهم ما يراه فيها وهناك منهج اتبعه فيما يتعلق بموضوع الأنساب هو صراحته وعدم التسرع فيه كذلك روايته وتحليله وتعليقه على ما يرد إليه في هذا الشأن وهو ما يعطي ويفيد عن شخصيته النادرة وهي شخصية لا مثيل لها في منطقة نجد كافة، كما أن كثيرا من المؤرخين السابقين والمعاصرين لابن عيسى لم تظهر فيهم أية حالة تشابه للمنهج الذي اتبعه في طرق الاستكشاف والرحلات من أجل جمع المعلومات والسؤال عنها إلا أنه مما يؤسف له أن مجموع ابن عيسى المتداول تبدو عليه حالة التلف وفقدان للعديد من ورقاته لسوء حفظه بعد وفاة جامعه - رحمه الله - ومن خلال تتبعي لبعض ما ورد فيه ومقابلته على المنقول منه تبين اختلاف في بعض العبارات مما يوحي بأن هناك مجموعاً آخر كتبه ابن عيسى غير المتداول بين الباحثين ولعل المتداول هي المسودة التي كان يحملها معه ابن عيسى في سفره وتجواله، بينما هناك أصلاً يبيّض فيه بعد عودته كل ما يجمعه من معلومات في الأنساب والتاريخ وخلاصات الوثائق والمخطوطات التي يطلع عليها وفق منهج معين سار عليه وهذا أمر متبع لكثير من خاضوا في هذا المجال ولكن أخشى أنه توفي قبل أن يتم شيئاً من ذلك وهذا سؤال يسأل به من آلت إليه غالب أوراق ابن عيسى بعد وفاته - رحمه الله - ومن لديه معرفة عنها.. وكان الداعي لهذه المقدمة عن مجموع ابن عيسى هي إحدى الفوائد التي ضمها هذا المجموع القيم وهو ما قام به واضعه - رحمه الله - سنة 1320ه في عمل لم يسبقه أحد من المؤرخين في نجد، حيث عمل إحصائية لبعض بلدان نجد وأبعاد المسافات بينها ومواقعها عن بعض كذلك أعداد الرجال في القرى والبلدان وهو عمل دل على إلمامه وسعة أفقه في التاريخ وفروعه والعمل الجغرافي حيث قال في مستهل عمله ذلك: «ذكر بعض بلدان جزيرة العرب ومسافاتها وعدد نفوس رجالها تقريباً حررنا ذلك في سنة 1320ه وقياس المسافات بالميل(1) الذي هو عن أربعة آلاف ذراع». ثم بدأ في بلدان القصيم ثم سدير والزلفي فالوشم والمحمل والشعيب ثم العارض والخرج ومن كل إقليم بلدانه وقراه. وهذا مثال مقارن من عمل ابن عيسى المذكور ورأيت أن يكون المثال إقليم سدير رغبة مني في إفادة الباحثين وتذكيراً لهم بأن هذا الإقليم أنجب عدداً من كبار العلماء المؤرخين والسابقين في نجد أمثال أحمد بن منقور (1067 - 1125ه) وحمد بن لعبون (0000-1260ه). ومحمد الفاخري (1186 - 1277ه) وعثمان بن بشر (1210 - 1290ه) وغيرهم - رحمهم الله جميعاً - وكانت كتب المذكورين هي المرجع اليوم لكثير من المؤلفات التاريخية القديمة والحديثة عن نجد. أما بقية الإحصائية فأوردتها بعد هذه المقارنة مرقمة ومبوبة ويتبعها ملحق بصور من الإحصائية التي بخط ابن عيسى وذلك تعميماً للفائدة. وهذا بيان المسافات وأعداد الرجال في منطقة سدير كما ورد في مجموع ابن عيسى وفي هامشه ما ورد في دليل الخليج لمؤلفه (ج ج لوريمر) وقد قمت بتصحيح بعض العبارات التي وردت فيه وكذلك اقتصرت على المسافات والمواقع وأعداد المنازل فقط كما ذكرها (لوريمر). يلي ذلك عدد البيوت في إحصائية الألوسي التي نشرها الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - ويلاحظ أن الإحصائيات ليست متشابهة وغير شاملة لمدن وقرى سدير كلها حيث إن بعض القرى الصغيرة لم يذكرها ابن عيسى وذكرها (لوريمر) في دليل الخليج. 1 - سدير قاعدته المجمعة عدد رجالها سبعمائة رجل وبعدها عن عنيزة(2) مائة ميل جنوباً(3). 2 - جلاجل جنوب عن المجمعة عدد رجاله خمسمائة رجل وبعده عن المجمعة خمسة وعشرون ميلاً(4). 3 - التويم جنوب عن جلاجل عدد رجاله مائتان وبعده عن جلاجل ثمانية أميال(5). 4 - الداخلة عن التويم جنوب عدد رجالها ثلاثون رجلاً وبعدها عن التويم أربعة أميال(6) 5 - الروضة عن الداخلة شرق ملاصقة لها عدد رجالها ثلاثمائة رجل(7) 6 - الحصون عدد رجاله سبعون رجلاً وبعده عن الروضة أربعة أميال(8) 7 - حوطة سدير عن الحصون شرق عدد رجالها مائتان وبعدها عن الحصون أربعة أميال(9) 8 - العطار شرق عن الجنوبية عدد رجاله مائة رجل وبعده عن الجنوبية أربعة أميال(11) 10 - العودة عن العطار شرق عدد رجالها مائتان وخمسون رجلاً وبعدها عن العطار ثمانية أميال(12) 11- الخطامة عن التويم مطلع الشمس(13) عدد رجالها خمسون رجلاً وبعدها عن التويم ثمانية أميال(14) 12 - عشيرة شرق عن الخطامة عدد رجالها مائتان وخمسون رجلاً وبعدها عن الخطامة ثمانية أميال(15) 13- تمير عدد رجاله ثلاثمائة رجل وبعده عن عشيرة أربعة وعشرون ميلاً(16) 14- حرمه شمال المجمعة عدد رجالها مائتا رجل وبعدها عن المجمعة ميل واحد(17) 15 - الخيس عن المجمعة في مهب الهيف، عدد رجاله خمسون رجلاً وبعده عن المجمعة عشرون ميلاً(918 16 - الرويضة عدد رجالها سبعون رجلاً وبعدها عن الخيس ميلان(19) 17 - الغاط عدد رجاله مائتين وبعده عن المجمعة عشرون ميلاً(20) وهذا البيان تتضح فيه الفروق بين أعداد الرجال وأبعاد المسافات في بعض بلدان سدير، حيث إن ابن عيسى لم يستوف فيه جميع قرى سدير بل حرص على البلدان والقرى الواقعة في سلسلة الطريق للداخل إلى الاقليم سواء كان من الجنوب أو الشمال ويظهر أنه حرص على مناطق الحاضرة في الإقليم دون غيرهم. أما أكثر البلدان عدداً من ناحية الرجال فهي (المجمعة) حيث بلغ عددهم 700 رجل و(الداخلة) كانت الأقل حيث بلغوا 30 رجلاً فقط. وأما المسافات فكانت حرمه أقل بعداً فقد بعدت عن المجمعة ميلاً واحداً فقط. ومن ناحية الدقة في المعلومات الواردة في إحصائية ابن عيسى فإن الاتجاهات أدق بكثير من المسافات وأعداد الرجال، بينما المسافات تُعد أدق من أعداد الرجال لثبات الاتجاه والمسافة لدى عامة أهل تلك البلدان، وأما أعداد الرجال فهي تقريبية كما ذكر ابن عيسى حيث إن الدقة لا تثبت في حصرهم خصوصاً في ذلك الزمان لكثرة العوارض التي تمر على البلدان والقرى. وهذه الإحصائية فيها من الغرابة ما يثير التساؤل عن أسباب قيام ابن عيسى بعملها وهل كانت ترتبط بأمور سياسية أو عسكرية طلبت منه؟ كما أن اقتصاره على حصر أعداد الرجال دون النساء والأطفال يؤكد أنه قام بذلك لأسباب قد تكون عسكرية فيكون المراد بهذه الإحصائية أعداد المقاتلين من تلك البلدان دون غيرهم وهناك ما يشعر بأن هذا العمل ما هو إلا اجتهاد من المؤلف وله ارتباط بمجال بحثه في علم الأنساب حيث تميز به. (1) الميل يساوي 1609 أمتار، أي ما يزيد عن الكيلومتر والنصف بمائة وتسعة أمتار كون الكيلومتر الواحد يساوي 1000 متر، وفي اللغة: الميل من الأرض قدر منتهى البصر والجمع أميال وميول. (2) حدد ابن عيسى بعدها عن عنيزة بالذات لأنه كان كثير التردد عليها ذلك الوقت وهي مكان وجوده أثناء كتابة الإحصائية. (3) قال لوريمر في دليل الخليج على بعد حوالي 25 ميلاً جنوب شرقي الغاط وحوالي 34 ميلاً شمال الشمال الغربي من التويم على الطريق من الزلفي إلى الرياض. بها حوالي 650 منزلاً. (وفي إحصائية الألوسي 2500 بيت). (4) قال لوريمر: على الطريق بين المجمعة والتويم وأقرب كثيراً إلى الثانية. بها حوالي 400 منزل. (وفي احصائية الألوسي1000 بيت). (5) قال لوريمر: على بعد حوالي 33 ميلاً جنوب الجنوب الشرقي للمجمعة على الطريق إلى الرياض وعلى بعد 35 ميلاً شمال ثادق. من ناحية الغرب بها حوالي 220 منزلاً. (وفي احصائية الألوسي 500 بيت). (6) قال لوريمر: عند رأس باطن سدير على مسافة أميال قليلة شرقي التويم. تتكون من حوالي 45 منزلاً (وفي إحصائية الألوسي 300 بيت). (7) قال لوريمر: على الجانب الشرقي من باطن سدير بالقرب من رأسه وعلى بعد حوالي 10 أميال من جلاجل. بها 280 منزلاً. (وفي احصائية الألوسي 1500 بيت). (8) قال لوريمر: على الجانب الشرقي من باطن سدير أسفل الروضة بأميال قليلة. تتكون من حوالي 40 منزلاً. (9) قال لوريمر: على الجانب الشرقي من باطن سدير وفي منتصف مجراه تقريباً. تتكون من 150 منزلاً (وفي احصائية الألوسي 440 بيت). (10) قال لوريمر: على الجانب الغربي من باطن سدير أسفل الحوطة مباشرة. بها حوالي 80 منزلاً. (11) قال لوريمر: على الجانب الغربي لباطن سدير بالقرب من طرفها السفلي على مسافة أميال قليلة فوق العودة. تتكون من حوالي 125 منزلاً. (12) قال لوريمر: على الجانب الغربي من باطن سدير عند طرفه الجنوبي على مسافة تبعد حوالي 15 ميلاً شمال غربي قرية (الحسي) في العارض. تتكون من 200 منزل (وفي إحصائية الألوسي 500 بيت). (13) مطلع الشمس: جهة الشرق أو الجهة التي تشرق الشمس منها بذلك البلد، وهذا التحديد متبع لدى القدماء في نجد، وهو مأخوذ من لغة العرب الفصحى، وقد ورد في القرآن الكريم تحديد شروق الشمس على موضع ما بلفظة (مطلع الشمس)، وذلك في سورة الكهف عند قوله عزَّ وجل: {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا} وفي لسان العرب: المطلع: الموضع الذي تطلع عليه الشمس. (14) قال لوريمر: تقع في نفس تجويف الصرف مثل عشيرة ولكنها تعلوها بقليل إلى الشمال منها. بها 40 منزلاً (وفي إحصائية الألوسي 100 بيت). (15) قال لوريمر: على المنخفض الذي يشكل رافداً على الضفة اليسرى للعتش. تتكون من 150 منزلاً (وفي إحصائية الألوسي 300 بيت). (16) قال لوريمر: على بعد حوالي عشرة أميال جنوب الجنوب الشرقي من التويم في الطريق إلى ثادق. بها حوالي 270 منزلاً. (وفي إحصائية الألوسي 200 بيت). (17) قال لوريمر: بالقرب من المجمعة في الشرق أو الشمال الشرقي على الرافد الأيسر لحوض مياه يمر بالمجمعة. تتكون من 240 منزلاً. (وفي إحصائية الألوسي 1500 بيت). مهب الهيف: في الجهة التي تهب منها ريح (الهيف) وهي ريح حارة تيبّس النبات وتعطش الحيوان وتنشف المياه تأتي من الجنوب الغربي، وفي اللغة تأتي من جهة اليمن (انظر لسان العرب والقاموس المحيط مادة هيف). (18) قال لوريمر: إلى الغرب من الطريق بين الغاط والمجمعة في الوادي الذي ينحدر من الرويضة إلى الغاط بها حوالي 40 منزلاً (وفي إحصائية الألوسي 100 بيت). (19) قال لوريمر: بالقرب من رأس المنخفض الذي ينحدر من الخميس إلى الغاط. بها حوالي 70 منزلاً. (وفي إحصائية الألوسي 220 بيت). (20) قال لوريمر: على بعد حوالي عشرين ميلاً جنوب الجنوب الشرقي من الزلفي و25 ميلاً غرب الشمال الغربي من المجمعة على الطريق بين الاثنين عند مخرج الوادي الذي يأتي من الرويضة والخيس من جبل طويق. تتكون من 170 منزلاً. (وفي إحصائية الألوسي 250 بيت).