التعاون في المجال الاقتaصادي يمثل إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها العمل المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجية الست منذ أن اختارت تلك الدول هذه الصيغة في التكامل والترابط فيما بينها لأكثر من ربع قرن، وتمثل الاتفاقية الاقتصادية منذ صيغتها الأولى في عام 1401ه وحتى مرحلة تطورها الأخيرة التي أقرت في عام 1422ه الإطار والمنهج للعمل الاقتصادي بين دول المجلس، وقد أكدت تلك الاتفاقية انطلاقاً من النظام الأساسي للمجلس على معاملة مواطني دول المجلس في أي دولة من هذه الدول نفس معاملة مواطنيها في كافة المجالات الاقتصادية بما في ذلك تداول وشراء الأسهم، كما نصت هذه الاتفاقية فيما يتعلق بتطبيق بنودها أن تقوم الأمانة العامة بمتابعة تنفيذ ما تضمنته من مواد تؤطر تلك العلاقة الاقتصادية بين دول المجلس. لقد أدى تحقيق فائض في ميزانيات دول المجلس نتيجة الزيادة في عوائد النفط وارتفاع معدلات السيولة في هذه الدول وما أوجده ذلك من نمو اقتصادي خلال المرحلة الحالية إلى الزيادة في عدد الشركات المساهمة التي تطرح للاكتتاب العام بين مواطني دول المجلس لامتصاص تلك السيولة وتوظيفها في مشاريع ذات عائد اقتصادي وتنموي، كما أن الزيادة في رواتب الموظفين بمعظم دول المجلس وسهولة حصول الأفراد على القروض الشخصية من البنوك أوجدت ما يمكن أن نطلق عليه موجات من الكتل البشرية التي تتحرك ما بين دولة وأخرى من دول المجلس يوجهها مؤشر الإعلان عن بدء فترة الاكتتاب في احدى الشركات التي يسمح بتملك أسهمها لمواطني هذه الدول. فبعد حمى الاكتتاب في بعض الشركات المساهمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، نشرت الصحف خلال الأسبوع الماضي خبراً عن عبور مركز سلوى نقطة العبورالحدودية بين المملكة ودولة قطر أكثر من 20 ألف مواطن سعودي للاكتتاب في مصرف الريان القطري في ثالث أيام الاكتتاب في ذلك المصرف بعد استئناف البنوك السعودية لنشاطها بعد اجازة عيد الأضحى، ترك فيها هذا المواطن مسؤولياته الأسرية والوظيفية وأنفق على مصاريف رحلته جزءا من دخل أبنائه واضطر إلى التحايل على الأنظمة ببعث جوازات غير عبرالبريد ليكتتب بها في دولة ذلك المصرف ويلاقي الأمرين في عناء السفر والبحث عن مقر الإقامة والإعاشة ومعاملته في البنوك على نحو يختلف عن معاملتها لمواطن الدولة مقر الاكتتاب. ويرفع من حالة الطوارئ في المراكز الحدودية بالجوازات والجمارك وخطوط الطيران والفنادق وأماكن الإقامة والمطاعم، بينما تنتشر في كافة مدن دول المجلس فروع البنوك التجارية التي يمكنها أن تتولى إنهاء اجراءات الاكتتاب في أي شركة مساهمة خليجية، فهل ما رأيناه على صفحات الجرائد والمجلات وعبر قنوات المحطات الفضائية يعكس مظهراً حضارياً وحسن تنظيم لأعمال الاكتتاب في تلك الشركات الخليجية المساهمة. إن عدد الشركات المساهمة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يبلغ 451 شركة مساهمة، يصل عدد الشركات المسموح بتداول أسهمها لمواطني دول المجلس 323 شركة مساهمة، تبلغ رؤوس أموالها أكثر من واحد وخمسين ألف مليون دولار، كانت في السنوات المبكرة من عمر المجلس لا يتجاوز عددها 42شركة، ولا تزيد رؤوس أموالها عن ثمانية آلاف مليون دولار، مما يعني أن معدل نمو تلك الشركات المساهمة في السنوات الماضية هو مؤشر لاحتمال الزيادة في عدد الشركات الخليجية المساهمة التي ستطرح للاكتتاب إما للتأسيس أو زيادة رأس المال مستقبلاً، فهل سيتم الاستمرار في اتباع ذات المنهج والأسلوب البدائي في الاكتتاب، وإرهاق المواطن الخليجي ودوله في دفع تكاليف اجراءات يمكن تيسيرها له بأرخص وأسهل السبل. إن الأمانة العامة لمجلس التعاون ممثلة في الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن معالجة ذلك مع الجهات المعنية وذات الاختصاص في هذا الشأن بدول المجلس. ٭ كاتب اقتصادي