ينسب إلى الإمام علي رضي الله عنه قوله: (صار العفاف عجباً، والفسق نسباً، ولَبِس الإسلامُ الفرو مقلوباً) كأن الإمام علي يتحدث بلغتنا اليوم فالعفاف صار عيباً والفسق صار طبعاً، أما الإسلام فلم يعد له فرو ولا رداء مقلوب أو غير مقلوب. فهذه القنوات الفضائية التي انتشرت انتشار الطاعون في بيوت الناس وهي لا تجلب إلا الخنا والرقاعة، والفحش، والبعد عن الذوق والأخلاق أصبحت مصدراً رسمياً لثقافة وتربية الناشئة. أنا هنا لا أقوم بدور الواعظ، ولكني أمثل على أقل تقدير دور الإنسان السوي، لسنا ضد الحرية، ولا التحرر، ولكننا ضد الانفلات والفوضى والعبث.. في كل الشرائع والملل ولدى جميع شعوب الأرض ضوابط، وأخلاق تحرص حرصاً عظيماً من أجل المحافظة على سلامة الأجيال من الفساد والتلويث والانحراف.. في تلفزيونات أوروبا رقابة شديدة على الأفلام الهابطة أو ذات المناظر المشينة ولو حصل شيء من ذلك فإنهم يعلنونه قبل العرض وينبهون على أنه لا يجوز للأطفال مشاهدته، وربما يأتي عرضه في ساعة متأخرة من الليل.. وللسينما الغربية أيضاً شروط حول سن الشخص فلا يجوز للأطفال والقصر أن يدخلوا قاعة السينما إذا كان هناك مشاهد غير محتشمة، وفي دول العالم كله قانون يمنع بيع الخمور لمن هم أقل من الثامنة عشرة. لا يجوز لأحد أن يملي شروطه على أحد، ولا يجوز لأحد أن يتدخل في أمور الناس الشخصية، هذا صحيح ولكنه في الوقت نفسه لا يجوز لأي كائن من كان أن يضطهد الناس ويحاربهم ويؤذيهم بهذه الأمراض، وهذه الجراثيم الأخلاقية المعدية، لا يجوز لأحد أن يعبث بأطفال الأمة وشبابها باسم حرية البث والنشر. هناك مصلحون وعلماء اجتماع وعلماء نفس وفلاسفة غربيون يدعون إلى عودة الفضيلة وتكريسها في عقول الناشئة وقلوبهم. في أمريكا أصبح التعليم الديني شبه إلزامي في جميع المدارس لأنهم وجدوا أن مظاهر الانحلال التي تسود بين الشباب كارثة وطنية قبل أن تكون كارثة أخلاقية. في الوقت الذي نحن فيه نترك الحبل مرخياً على الغارب لمجموعة من «الدشير» في هذه القنوات تسرح، وتمرح، وتبث ما تشاء متى تشاء، دون حسيب أو رقيب، وكأن أولادنا قطعان من البهم، فصاروا بلا حماية ولا وصاية.. فريسة متاحة لكل من أراد أن يفسد ويجرب عليهم كل أنواع السموم المؤذية والقاتلة.. كل هذا تزامن مع قنوات أخرى تسير في نفس المسار والهدف.. تختلف الوسيلة ولكن الغاية واحدة، وهي تلك التي تعمل على تدمير الثقافة، وتدمير الهوية من خلال طرح وتمجيد المشروع الصهيوني الأمريكي وتمزيق الوعي القومي، والثقافي، والديني.. تلك القنوات التي تعمل وفق برنامج مدروس ودقيق ومزود بكل وسائل التدمير والتفكيك. كل ذلك يجري في ظل غياب مطلق بل في ظل تغيب مقصود لكل عمل أو نشاط مناوئ لهذا المد الجارف الخطير، مما يجعل المرء يتساءل في حيرة وذهول: أين دور وزارات الثقافة والإعلام العربي؟ بل أين جامعة الدول العربية ومشروعها الثقافي في التصدي لهذه الحرب الشنيعة التي تدمر أجيالنا وشبابنا بشكل مجاني وبثروة أبناء الأمة ومن مالها..؟ ويسأل المرء دائماً نفسه عن هوية أولئك الذين يمولون هذه القنوات، ولماذا يلعبون هذا الدور؟ وما هو دورهم في الجانب الآخر وهو التنمية الوطنية؟ هل شاركوا في بناء مصانع، أو فتح مدارس، أو جامعات، أو تبرعوا بمعامل أو أجهزة متقدمة لخدمة أبناء هذه الأمة؟ أبداً فجميع هؤلاء يسيرون وفق مسار واحد في الإفساد والتدمير.