في أحد الأيام تقدم رجل لوظيفه عامل نظافة في إحدى الشركات العملاقة وعندما تمت المُفابلة الشخصية وقُبِلَ الرجل لشغل الوظفية طلب منه الموظف تسجيل بريده الإلكتروني حتى يتم إبلاغة عن موعد بدء العمل فقال الرجل «عفواً فليس عندي بريد الكتروني» فقال له الموظف «عفواً سيدي لا نستطيع قبولك للعمل في الشركة وليس عندك بريد الكتروني». خرج الرجل من مكتب الشركة وذهب يعمل بالتجارة إلى أن أصبح رجل أعمال كبيراً وأصبح يملك الملايين. في أحد الاجتماعات مع أصحاب شركات أُخرى لعقد صفقات تجارية ضخمة طلب منه أحدهم أن يُعطيه بريده الألكتروني فقال له «عفواً فليس عندي بريد ألكتروني» استغرب ذلك التاجر وقال له «أنت تملك الملايين والشركات وليس عندك بريد ألكتروني؟! فما تُرى ستكون لو كان لديك بريد ألكتروني؟» فأجابه الرجل «لو كان عندي بريد ألكتروني لكنت عامل نظافة في شركة!». هل تعرف شخصاً كان في يوم من الأيام موظفاً بسيطاً وأصبح الآن يملك الملايين؟ وهل تعرف شخصاً لم يحقق مستويات علمية عليا ومع ذلك صار من التُجّار؟ وهل تعرف شخصاً حصل على شهادات عليا ولم يحقق أي ثروة بل وقد يُعاني من مشاكل ماديه؟ هل تعرف شخصاً تقاعد عن العمل ويقضي وقته في أعمال خاصه وتجارة ومشاريع بينما مُتقاعدون آخرون آثروا الراحة؟ تُرى ما السبب وراء هذا التباين في توجهات هؤلاء؟ بدايةً لنتفق على مبدأ أساسي هنا وهو أن الرغبه هي أساس التغيير فلا يمكننا الجزم بأن كل الناس يرغبون في الغنى أو زيادة في الدخل إذ هم راضون بوضعهم المالي الحالي فليس بالضرورة أن يُمثل المال قيمة عليا لدى البعض لذا فهم مشغولون بما هو أهم بالنسبة لهم وهذا أمر طبيعي وجيد. في المُقابل تجد آخرين شغلهم المال عن كل شيء فمنهم من ضحى بعائلته أو صحته ولربما بعلاقته بالله سبحانه وتعالى من أجل المال كما بيَّنا ذلك في مقالة سابقه بعنوان «توازن القيم مفتاح السعادة». لماذا لا أُصبح غنياً؟ سؤال قد يرد إلى ذهن الكثيرين ولربما لم يجد البعض الجواب. خلال هذه المقالة ومقالات لاحقة سنتعرض لبعضٍ هذه الأجوبة. لو اتفقنا انا وانت أن نتسابق في جري المسافه بين باب منزلك إلى باب منزل رابع جار لك في الشارع الذي تسكنه. نبدأ السباق بأقصى سرعة نستطيعها لنصل إلى باب جارك الرابع. بغض النظر من فاز في السباق فإننا في الغالب سنشعر بتعب وعدم قدرة على الركض أكثر من ذلك. ولو أعدنا السباق ولكن غيَّرنا المسافة لتكون ضعف المسافه الأولى فإننا سنشعر بتعب وعدم القدرة على الركض لمسافه أكثر من مسافة السباق الجديدة أيضاً! تُرى ما السبب وراء تكرار هذا الشعور بعدم القدرة على الاستمرار في الركض أكثر بالرغم من تغير مسافة السباق؟ لكل منّا قناعات هذه القناعات ترتبط إرتباطاً قوياً بسلوكنا ومستويات أدائها في كل شيء. ففي المثال السابق تبينا أنا وأنت قناعة أننا سنركض المسافة المُتفق عليها فقط وبالتالي لم نستطع الاستمرار في الركض بعدها بالرغم من مُضاعفة المسافة. تُسمى مثل هذه القناعات ب «القناعات المُحدِّدة» أي أنها تحد من تحقيقنا لمستويات أداء أعلى من تلك التي حددتها قناعاتنا. كما أن القناعة المُحددة كانت سبباً شعورنا بعدم القدرة على الركض أكثر فإنها تكون سبباً في عدم قدرة بعضنا على التحدث بطلاقة أمام الآخرين وعدم القدرة على التخلص من بعض العادات غير المرغوبة كما أنها سبب وراء عدم تحقيق الكثيرين منا للغِنى. يحمل البعض قناعات مثل أن الغِنى ضد الأخلاق وأن الأغنياء يتبعون طرقاً غير أخلاقية للحصول على المال أو أن الحصول على المال مُقابل تقديم خدمة إنسانية يعتبر شيئاً غير أخلاقي كما حصل مع أحد طبيبات الأطفال التي كانت تحمل قناعة أن الحصول على المال من خلال علاجها للأطفال شيء غير أخلاقي. فمثل هذه القناعات تمنع الشخص من الوصول إلى مرحلة الغِنى. فليس صحيحاً أن كل من أصبح غنياً حقق ذلك باتباع طرق غير أخلاقية وليس صحيحاً أن حصول الطبيب على المال مقابل علاج المرضى شيء غير أخلاقي. إذاً لا بد ممن يريد أن يُصبح غنياً أن يتعرف على قناعاته المُحدِّدة ويعمل على التخلص منها وإلا ستقف هذه القناعات أمامه كلما أراد التقدم نحو هدفه والوصول إلى مرحلة الغِنى. يعتقد البعض أن الغنى ضد القيم الدينية وأن من يسعى وراء المال فإنه بعيد عن الله سبحانه وتعالى. تاريخنا الإسلامي مليء بأمثله رائعة لرجال وسيدات أعمال حملوا همّ الدين وساندوه ونصروه وبذلوا أموالهم وأنفسهم من أجله. فهاهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها كانت ذات مال وتجارة وكانت تُدعى في الجاهليه بالطاهرة وعندما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبُعِث كانت أول من آمن به وساندته بمالها وقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم انها من خير نساء العالمين. وهاهو ابو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر». فهل ستتعرف على قناعاتك المُحدِّدة وتتخلص منها قبل السير في طريق المال والأعمال؟