@ جميع الكنائس المسيحية تتبنى طقوصاً خاصة لتعميد المواليد بغمرهم في "الماء المقدس".. وحتى وقت قريب كانت الكنيسة الأرثوذكسية تغطس الأطفال عراة في ماء مثلج كي تحل فيهم روح القدس وتسلم أرواحهم من الشيطان.. ولكن النتيجة الطبيعية لهذه الممارسة أن الأطفال الضعاف - وقليلي المناعة - سرعان ما يمرضون ويموتون وبالتالي لا يبقى على قيد الحياة غير الأفضل والأقوى احتمالاً! وهذه العادة - سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة - نموذج اجتماعي لاصطفاء النسل وتحكيم قانون "البقاء للأقوى". فجميع الأمم تملك عادات أو توجيها (أو حتى ظروف قاهرة) تحتم عليها التخلص من الضعفاء والمشوهين والإبقاء على الأقوياء والسليمين.. وهذه الفكرة يمكن تتبغ آثارها منذ عهد الفراعنةوالإغريق وحتى يومنا الحاضر. ففي كتاب "الجمهورية" يطالب أفلاطون بتطبيق الأساليب المستخدمة في "تحسين كلاب الصيد" على الأصحاء من البشر؛ وفي الفصل (459) يتحدث عن نبل هذه الفكرة ويقول: يجب على الدوام اختيار أفضل زوجين للتزاوج كي نحصل على أفضل ذرية ممكنة.. وهذا الأمر يجب أن يتم بطريقة هادئة وسرية كي لا يحصل عصيان بين الشعب".. وقبل الإسلام كان بعض الضعفاء يتوقفون طواعية عن الإنجاب ويأمرون زوجاتهم بالنوم مع الفرسان والعظماء - عسى أن يحصل منه سنداً وقوة. وحين أتى الإسلام حرم هذه العادة ولكنه كرّه الزواج بالضعفاء والمرضى حفاظاً على صحة الأجيال التالية - حيث قال صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس).. أما في عصرنا الحاضر فكانت السويد تملك نظاماً محكماً و"غير مكتوب" لمنع التزاوج بين المعوقين والضعفاء. فرغم أنها كانت تحتجزهم في دور رعاية جيدة ومترفة إلا أنها وضعت عراقيل صارمة لمنع تزاوجهم أو إنجابهم.. وحين حكم النازيون ألمانيا لم يحرّموا فقط التزاوج بين الضعفاء والمرضى، بل وحرموا تزاوج العرق الآري مع بقية الأعراق - كالسود والقوقاز والآسيويين! @ هذه الممارسات قد تبدو غريبة بمعايير اليوم؛ ولكن لا ننسى أن "حق الجميع بالتناسل" فكرة حديثة تبلورت ضمن ما يعرف بحقوق الإنسان.. وفي المقابل كلما عاد بنا التاريخ إلى الوراء كلما اكتشفنا أساليب أكثر بشاعة في عملية الاصطفاء (قد تصل درجة قتل المحبين واخصاء المشوهين والتخلص من المعاقين ووأد البنات فور الولادة..) المفارقة الغريبة أن مسألة اصطفاء النسل كانت في الماضي تتم بصورة طبيعية وغير مقصودة؛ فحتى زمن قريب كانت المرأة تلد (درزينة أطفال) وكان مبدأ "البقاء للأقوى" يطبق بكل حزم وقوة وبدون تدخل أحد.. فقد كانت الجراثيم والأمراض وسوء التغذية تعمل ك "فلتر" يقتل الأجساد المريضة الناقصة ويبقي على أصحاب المناعة القوية والأعضاء السليمة. أما اليوم فساهم الطب في إحياء العليل والناقص فحدث انفجار حقيقي في نسبة المرضى والمتخلفين!! بقي أن أشير إلى أن عصرنا الحاضر شهد نوعاً جديدا من الاصطفاء الموجه للجانب الذهني أكثر من الجانب الجسدي؛ ففي سنغافورة مثلاً حاول لي كوان يو (مؤسس النهضة الحديثة) إصدار قانون يشجع طلاب الجامعات على الزواج ممن يوازيهم في درجة الذكاء ومستوى الشهادة. وفي فنزويلا (البلد الوحيد الذي يملك وزارة للذكاء) يتم تنظيم حفلات خاصة للطلاب العباقرة على أمل التعارف - وبالتالي الزواج والانجاب ورفع نسبة الأذكياء في الأجيال الجديدة.. أما حول العالم فهناك "نادي ميسنا" الذي لا يقبل في عضويته إلا من يحصل على علامات (شبه كاملة) في اختبارات الذكاء، ومن أنشطة النادي المعتادة تشجيع التعارف بين عباقرة العالم - من خلال موقعه الالكتروني - والتوفيق بين الجنسين بغرض الزواج وإنجاب المزيد من الأذكياء.. "ويا بخت مين وفّق دماغين بالحلال"!!