أنا رجلٌ، الكتابةُ صنعتهُ، والحرفُ مهنتهُ. أخافهما وأرجوهما، فمنهما أطعم أولادي خبزاً، وأكرهُ أن يبيت صغاري جوعى، من أجل ذلك أدمن النظر في الكلمات والجمل التي ينثرها قلم غيري علني أتعلم. أطرب للمموسق من الجمل، وأهتز إعجاباً لجميلها، وأتراقص فرحاً عندما يدغدغ أحد بجملة رشيقة متعة عقلي، لأنه أثرى مهنتي. زارني في منزلي في دبي قبل أسابيع الناشر محمد العبيكان والكاتب زياد الدريس فأكرماني بحضورهما، وأمتعاني بمناكفاتهما، وملحهما، وقبل أن يغادرا ترك (الرجلان) زياد ومحمد كتاباً خطه يراع الأول ونشره الثاني. نسيت الكتاب، في زحام الحياة، ولهاث الدنيا، حتى وضعته في شنطة سفري إلى الولاياتالمتحدة، مع مجموعة كتب أخرى، أستفزع بها على الغربة، وأغذي بها جوع المعرفة. الطريق بين الساحل الغربي، وصنوه شرقي أميركا يستغرق بالطائرة اكثر من خمس ساعات، ووجبتين غذائيتين، سعراتهما الحرارية تقيم صلب رجل، لكنني تميزت على أكثر من 140 راكباً - قبل يومين - بوجبة من المتعة الفكرية، كانت تجعلني أتمايل نشوة للذتها.. هذه الوجبة هي (حكايات رجال) زياد الدريس. كان قائد الطائرة يمخر بها عباب سماوات زرقاء وغيوم بيضاء شكلتا لوحة جمالية تسر الناظرين، وكان زياد يبحر بي في عقول الرجال بمهارة وحرفية ورشاقة عبارة، وبناء جملة أّخّاذة، واقتدار على تطويع الكلمة، وعلو كعب في تذليل الحرف، وكنت بين جمال تداخل السحب والسماء، وجمال حروف زياد أتنقل كالفراشة التي لا تبالي.. كانت التعددية سيدة شروط كتابة زياد عن رجاله، فمن أديب إلى مسؤول دولة، مروراً بوزير، دون أن ينسى فرّاشاً لوزير، فكيف بعالم دين، بل لقد أروى المطر بالكتابة عنه ضمن رجاله، لا بل أدخل الشمس في زمرة الرجال، وأحسب أنه استند إلى أن لا خلوة لأنثى بين جمع من الفحول. «يا سلام عليك يا زياد»، قلتها لابن ادريس، أكثر من عدد صفحات الكتاب ال 380، ولا أزال أقولها، وأقول لزياد: هذا كتابٌ تُغبط على جماله وحسن صنعته، وتُشكر على وجبة المتعة فيه... كانت وجبة دسمة حقاً، مع أنها خالية من الكوليسترول. [email protected]