كأي شيء في الهتون تصبح الكلمة عصية حين نكون أمام تذكر مآثر الخالدين ، وتتحول مسالكها الى مناطق وعرة حين يكون من نستذكره رجلاً بحجم وقامه عبد الرحمن بن سعيد، كان في الأيام الأخيرة، وكأنه يستشرف دنو الأجل حين سيطر عليه شعور قرب الرحيل عن هذه الدنيا، هذا الذي لم يسترح قلبه طوال سنوات طويلة، غفا أمس على كتف الليل لكن غفوته تحولت الى سبات عميق..وعميق جدا.حين ادخل مستشفى القوات المسلحة بالرياض منذ اشهر طالبا"استكمال علاجه هناك كنت أشعر كغيري من مدى الملل الذي داهمه من كثرة النوم على أسرّة المستشفيات ، فهو ربما كان يحس ان جرس الألم يرن في اذنيه، وأراد الهرب من طنينه الى هناك حيث اعتقد أنه يستطيع تأجيل المنية عنه، لكن الأجل داهمه قبل ان يعاود رحله الخروج والقدوم الى السرير الابيض.لست هنا أنعى شيخ الرياضيين إنما أذكره كواحد من الخالدين المؤسسين في العمل الرياضي المؤثر عندما عاشوا المراحل الاولى من عمر" رياضة الوطن" بل وقدم لها حتى منزله ليكون نواة الدخول للاستثناء.سنوات طويلة من الحرب بالبذل والعطاء خاض غمارها شيخنا الجليل، كانت معاركها تحمل دائما في طياتها بشائر الانتصارات لأن صوت البذل أقوى بكثير من دوي الوصولية والانتهازية واللصوصية. هذا الشيخ لم يكن يشغله اي شيء عن المتابعة الدائمة لكل ما يجري حوله من أحداث فيخضعها لإعمال الفكر ليستخلص منها صواب التحليل ومعرفة اتجاهات الريح، لا سيما في متابعة اخبار معشوقته الاوليى كرة القدم وحبه الأبدي للهلال.هذا الرجل الذي كان مستمعا جيدا لكل ما يقال له، كان أيضا باحثا جيدا في ما يقال ولماذا قيل، لأن الرياضة عنده لم تكن مهنة، بل كانت حياة يعيشها، هكذا هو عبدالرحمن بن سعيد.لقد ترجل عن جواده لكن ذكراه لا تستريح فهي تبقى تمخر عباب الذاكرة.رحم الله الشيخ الجليل عبدالرحمن بن سعيد الذاهب الى مثواه الاخير وهو المثوى نفسه الذي سيحتوينا عندما تشاء ارادة الله سبحانه وتعالى.ولأننا لا ننعى الشيخ الفقيد بهذه الكلمات بل نذكره، فقد عادت بي الذاكرة الى ايام خوالٍ كنت فيها طفلا" لم ابلغ سن الرشد كان اللقاء الاول في ملعب الصايغ عندما همس في اذني اخي الاكبر قائلا" اذهب الى هذا الرجل واسأله كيف جلب مبارك عبد الكريم وسلطان مناحي للهلال لم اكن اعي معني القول ولكنني كنت ادرك موهبة النجمين فذهبت اليه وشددته من ردائه رحمه الله وامليت ما قيل لي بالحرف الواحد وكان واقفا"فأخرج ريالا"وقدمه لي وقال اهم شيء انهم يعجبونك اذا لعبوا!؟ عدت الى اخي وانا اقول في نفسي هل هذا الرجل بشر ام ملاك من السماء رحمه الله كان كريما"كرما"يندر وجوده ويصعب تكراره وعندما قابلته بعد سنوات بمناسبة رفع النعيمة كأس الملك مهنئا له ومباركاً ذكرته بالحادثة وما قاله فابتسم رحمه الله وقال الهلال مصنع نجوم وابطال اذا كانت الحياة تعاش وتصنع أحداثها مع الاحياء، فعلينا ان نتذكر ان الموت كما الحياة موجود أيضا، وكثيرا ما يطرق الابواب من دون إذن وبهدوء وصمت وبلا مقدمات في أحيان كثيرة.عزائي الكبير الى أسرة الشيخ الجليل الكرام واقول، لقد رحل شيخكم عن هذه الدنيا الفانية فلله ما أخذ ولله ما اعطى. إنا لله وإنا له راجعون فقط اختم بمقال قد كتبته قبل سنوات عن هذا الرجل العظيم كنت اتمنى ان ينفذ ما ورد فيه وان يكرم تكريم الفاتحين قبل مماته ولكن السيف سبق العذل. لأن صنع لبنة الصرح أصعب بكثير من ردم لبنة القبر..فقد أدرك أولئك الرجال أن وخز إبر الضمير أوجع، وأدهى، وأمرّ من ألم الجسد!!ذلك الجسد الذي كابد كل تلك البدايات الغضة التي تتعثر أياماً لتخطو يوماً واحداً فتكون أكثر ثباتاً.. وجمالاً، وقوة. * من أولئك الرجال هامات كثر بزغت فأبدعت، وقدَّمت لتصطدم بواقع رياضتنا التي لا تتذكَّر المبدع إلا بعد رحيله والموهوب بعد وداعه والخلاّق بعد موته!!؟* لتبدأ قصة الدموع المنهمرة من أقصى بقعة للصراخ!!أجل نحن قوم لا نتذكّر إلا بهذه الطريقة المرة!!طريقة تشبه طريقة (البدر) حين يموت دون أن يدري عنه أحد!!؟ ورياضتنا ومنذ نعومة أظافرها قدَّمت رجالاً ورياضيين لا يستطيع أي متبصر أن يتجاهلهم أو يتناساهم، فالزمن يسير ويسير لكنه يتوقف للحظات أمام مواقف التشريف والتضحية والعطاء.* خبرات وطاقات وتحركات طمرت بل إنها ما زالت تطمر بكثير من الحجارة وقليل من القش وتعرفون جيداً ما (أقصد بالقش)!!؟* في الرياض وتحديداً حيثما يقبع شيخ الرياضيين عبد الرحمن بن سعيد توجد قصص قديمة معلّقة في صدر قامة ذلك الرجل الصرح.. يدرؤها عن الزوال.. ويغطيها عن عوامل التعرية اللا.. إنسانية..!!؟يقاوم وحيداً.. صامتاً.. نحيلاً وسط دهشة وذهول كل البراغيث والطحالب الذين سألوا (من أين لهذا بذرة البدايات لأهم وأشهر وأعظم ناديين (عربياً) في التاريخ المعاصر)؟وبرغم ذلك ها هي شجرة العمر تتساقط أوراقها دون تحرك أو تكريم أو استشارة أو حتى رد لجميل البدايات المرة!!وكم كنت أتوق إلى رؤية كتابه الموثق عن الحركة الرياضية في بلادنا والذي توقف فجأة خوفاً من ذكر بعض الحقائق التي لو أوضحها لقلبت الشارع الرياضي رأساً على عقب.