لماذا يقبل بعض الشباب على تعاطي المخدرات؟؟ كم يبدو هذا السؤال ساذجاً إلى درجة الغباء وكم يبدو موجعاً إلى درجة البكاء.. يعرف الشباب اليوم بما لا يدع مجالاً للشك أن المخدرات «حرام» ومع ذلك لم يرتدع بعضهم عن تعاطيها، ثم هم يعرفون يقيناً أنها مدمرة للعقل والصحة والمال ومع ذلك أيضاً لا يرتدعون، وأخيراً هم يعرفون كيف ينظر لهم الناس الأقربون منهم والأبعدون، وكيف يُعتبرون خارج دائرة الحياة الكريمة، ومع ذلك تظل لديهم الجرأة على تسور الدائرة والقفز خارجها في تقدير غبي يفضل العراء البارد الخالي من كل شيء على دفء الأسرة وترحيب المجتمع.. لقد قرأت كثيراً حول هؤلاء والتقيت بعضهم في محطات عمل ماضية، وكان أكثر ما استوقفني في حديثهم وحكاياتهم هو الأسباب التي يرون أنها وراء تعاطيهم.. البطالة، الفراغ، أصدقاء السوء، التفكك الأسري والفضول.. المشكلة أنني أجد نفسي حائرة أمام تشخيص المتعاطي لأسباب تعاطيه، فهو يشرح كيف بادره صديق سوء بالجرعة الاولى، ويشرح كيف تجاهل ولي أمره حالته وأحواله حتى اصبح مدمناً، ويشرح كيف يؤثر هذا الادمان على عقله وحواسه وكيف يثقل ضميره ورغم كل هذا، يتحرك بملء إرادته ويسعى للحصول على ما يريد وتعاطيه بدم بارد وأعصاب فولاذية، هو يعرف، بل هو متأكد انه لن يمضي وقت طويل حتى تذبل فتوته ويضيع بريق شبابه، ويدفعه هذا السم الذي يتعاطاه إلى فعل ما ينكره هو بالضرورة ومع ذلك يتعاطى!. لعله يقنع نفسه انه أكثر وعياً من غيره وأن ما حدث لآلاف قبله لن يحدث معه فهو مدرك لحجم ما يأخذ ويعرف متى يتوقف حين يريد.. أو لعله يشعر انه اتفه من أن تقيم له الحياة وزناً أو تلتفت لضياعه، المهم أن ادراك المتعاطي لسوء عاقبته هو الأمر الذي اشعر أمامه بالعجز عن التفكير في الأسباب.. يا ناس.. بالمنطق.. أنت أيها المتعاطي قررت أن تسير في طريق عاقبته واحدة لا ثاني فيها، عاقبة سوداء حالكة الظلمة، غضب من الله، حزن وكمد في عائلتك، تأنيب ضمير ودمار نفسي وجسدي فيك، مستقبل مظلم وحاضر مغيب فلماذا إذن تسير في هذا الطريق وتصر عليه؟ ما هي معذرتك التي ستقدمها إلى الله يوم القيامة وأنت موقن أنها صادقة ومقنعة وانك كنت مسلوب الإرادة فيها حتى يغفر الله لك؟ ما هي مبرراتك القوية القاطعة أمام قلب أم أصبته بالكمد وأب أسكنت الحزن فؤاده عليك؟ ما هي مبرراتك مع زوجة ابتلاها الله بك فحولت حياتها جحيماً لمجرد انك تريد هذا «بكيفي!»..؟ ما هي مبرراتك مع أبناء أنت قدوتهم الوحيدة وإلى أي حد سيفرحك أن تراهم على نفس دربك المقيت سائرين؟ قد تبدو أسئلتي حادة ولكن لم أربت على كتف من استعذب جلد نفسه وأوردها بإرادته مورد الهلاك؟ [email protected]