في اليومين الأخيرين نشطت الصحافة الأمريكية وتحديداً في الاهتمام بأمر معتقل غوانتانامو، كاشفة عما يدور هناك من أساليب استنطاق للمعتقلين تجاوزت التعذيب الجسدي إلى النفسي مما يتعارض مع القوانين الأمريكية. ولم تتزامن التقارير الصحافية مع أية اجراءات إنما جاءت في سياق عدم رضا كثير من الأمريكيين عن أوضاع المعتقل غير الخاضع لسلطة القانون الأمريكي كونه يقع خارج الأراضي الأمريكية في كوبا. وعندما نمعن القراءة في تلك التقارير نجد أن ما يحدث في غوانتانامو لا يتلاءم ابداً مع ما نسمع من رعاية حقوق الإنسان التي طالما طالب بها المجتمع الدولي وبالأخص من دول العالم الثالث متهماً إياه بعدم مراعاة تلك الحقوق وتجاوزها بشكل دائم. والكشف عن الممارسات غير الإنسانية في غوانتانامو جاء بعد تكشف فضيحة سجن أبوغريب في العراق ما دعا إلى الكشف عما يجري في المعتقلات التي تخضع للسلطة الأمريكية بما فيها معتقل غوانتانامو. ونستغرب كيف يمكن أن يكون هناك أكثر من موقف في ذات القضية لدولة كأمريكا التي كانت في يوم من الأيام تعد واحة الديموقراطية العالمية ومحط أنظار كثيرين ومنهم عرب بالطبع، والأمر كذلك لا يقف الحديث عند معتقلات دون غيرها، فكثير من الأمريكيين باتوا يتذمرون من القوانين التي تم سنها بعد أحداث سبتمبر وعدوها ضجة من أجل الحد من الحريات الشخصية للأمريكيين أنفسهم. وعودة إلى غوانتانامو نجد أن عدداً من القادة العسكريين اقترحوا إنشاء سجون أمريكية خارج أمريكا تكون بمثابة معتقلات لأشخاص لم توجه لهم تهماً ولكن يعتقد انهم يجب ان يبقوا مسجونين مدى الحياة كونهم يمثلون خطراً على الأمن القومي الأمريكي ولكن القوانين الأمريكية تمنع السجن مدى الحياة دون توجيه اتهام فكانت الفكرة التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد ولكن لاتزال قيد الدرس. ما يهمني هو ان الديموقراطيات الغربية لم تصل إلى درجة الكمال - والكمال لله وحده - بل ان قوانينها مليئة بالثغرات التي من الممكن النفاذ منها لانتهاك القانون، أو حتى سن قوانين جديدة تلائم المرحلة حتى لو كانت تلك القوانين تتعارض وحقوق الإنسان التي حاول الغرب كثيراً ان يوهمنا انه وحده من يملك مفاتيح أسرارها.. ولمعرفة تلك الأسرار يجب اتباع التعليمات المرفقة في كتيب يعلمنا كيف يمكننا استخدام تلك الحقوق!! القوانين الغربية ليست بالكاملة ابداً ونعرف انها وضعية أي انها قابلة للأخذ والرد ومن الممكن جداً ان تتبع الأهواء وبالتالي المصالح، ورأينا ذلك واقعاً تمثل في استخدام ورقة حقوق الإنسان في غير موضعها في ملف الإصلاح الشامل الذي دائماً ما يطالب به الغرب العالم العربي على وجه الخصوص، وإن كانت حدة تلك المطالب تراجعت عما كانت عليه، فالمطالب الغربية لاتزال قائمة.. صحيح ان عالمنا العربي يحتاج إلى اصلاح واهتمام أكثر بحقوق الإنسان ولكن هذا لا يعني اننا مجبرون على اتباع الأسلوب الذي اتضح لنا انه يحتاج إلى اصلاح.