مقبرة جماعية اخرى إذن.. لكنها هذه المرة في اليمن، حيث الهدوء يسود البلاد العتيقة، وحيث لا تفاعلات خارجية واسعة لما يحدث في الداخل إلا ان تعلق الامر بمرجعية قبلية لأحد المتهمين بالارهاب مثلاً، او بهدف طارئ للارهاب في صورته الاحدث مثلاً آخر... أما ان تكون اليمن عنواناً جديداً لمقبرة جماعية جديدة فهذا هو الخبر. صدمة المقابر الجماعية التي تظهر فجأة من بطن الارض لتنثر على ظهرها بعضاً من الرميم البشري كانت الألم الأكثر غرابة وبشاعة، حتى من مشهد الأطفال الملطخين بدمائهم شهداء للا شيء، اثر سقوط نظام صدام حسين عام 2003. لكن المقابر الجماعية لم تكتف بهول الصدمة الاولى فقد كرت سبحتها في مواعيد وأماكن مختلفة في العراق ثم مقبرة او اثنتان في لبنان اثر خروج القوات السورية من هناك، قبل شهور قليلة، والآن... يدور المشهد المروع دورة كاملة ليصنع دائرة دموية تسبح على حوافها عظام مختلطة ببعضها البعض لبقايا جثث مكدسة في حفر كبيرة اصطلح على تسميتها المقابر الجماعية، تمييزاً لها عن المقابر في صيغتها الاولى، الاخيرة، الوحيدة كما ينبغي منذ أن دفن هابيل أخاه قابيل. وهكذا.. صار المشهد البائس مألوفه، حيث تقعي امرأة عجوز على الرمال المستخرجة للتو من باطن الارض، تحصي العظام العائدة لابنها، تزعم انها تعرفها جيداً، وانها تستطيع تمييز رائحة وحيدها الغائب منذ سنين طويلة بمجرد أن تراه، او ترى جثته، او ما تبقى منها أي عظامه المطحونة والمختلطة بعظام الآخرين. وعبثاً يقنعها الرجال الذين يجولون في المكان وهم يضعون على انوفهم الكمامات البيضاء ان هناك اختباراً طبياً يسمى اختبار الدي ان اي، وانهم بواسطته يستطيعون التعرف على هويات العظام المكتشفة، فكيف يمكن اقناع أم مكلومة على مدى سنوات بما يقدمه العلم الحديث من اختراعات واقتراحات تتعامل مع تبعات الموت المجاني، ولكنها لا تستطيع منعه، او حتى التنبؤ بضحاياه الجدد؟ لا أحد طبعاً.. ما الفرق بين مقبرة جماعية، واخرى فردية؟ سألتني صديقة وهي تستقوي بجدوى السؤال على بشاعة ما تراه على الشاشة من مشاهد جديدة لمقابر جماعية جديدة.. فقلت لها: لا فرق حقيقياً لكن يبدو أن الفرادة والتوحد والاستقلالية في شبر من الارض هي آخر ما يتمناه الكائن البشري وهي يودع كينونته وبشريته دون أن يحقق الامنية، فما نيل المطالب بالتمني على أية حال، حتى لو تعلق الأمر بالموت الساكن في المقابر.