أول من قام بتدريبي على إحدى التقنيات المعملية الحديثة- في بداية دراستي للدكتوراه - طالبة في سنتها الثالثة الجامعية لم تتخرج بعد، كان تمضي فصلا كاملا في التدريب العملي وكانت عاملا فعالا في هذه المجموعة البحثية التي انضممت إليها وكان اسمها ضمن الأسماء التي زينت بحثين منشورين في إحدى أهم المجلات العلمية، يومها تذكرت طالباتنا اللواتي يتخرجن في تخصصات علمية وكل مايعرفنه هو تجارب يدوية عفا عليها الزمن. في آخر سنة في مرحلة الدكتوراه أمضيتها في المعمل في أحد مراكز الأبحاث في ذلك المستشفى البعيد، انضم إلينا طالب في كلية الطب ليعمل خلال شهور الصيف، هذا الطالب أنيطت به مهمة تطوير «تكنيك» معين باستخدام جهاز معملي جديد، تمكن هو أيضا من أن يخرج ببحث هو كاتبه الأول، هذه الحادثة تذكرتها وأنا أرى الطالبات يضطررن لدراسة أحد المقررات العملية بشكل نظري لعدم وجود الأجهزة أوالمعامل. وأذكر أثناء دراستي هنا في المملكة أن أحد المقررات العملية ذات المئة درجة كان يدرس للطالبات بأسلوب المشاهدة، بمعنى أن الأستاذة كانت تأخذهن إلى المعمل وتريهن الأجهزة التي يمنعن من مسكها، لغلاء أسعارها وحتى لاتتلف، كنا وقتها نسمي هذا المعمل بالمتحف. وهناك وحين بدأت دراسة الدكتوراه وأنا لا أملك أي خبرة معملية تذكر، كنت أعمل على أجهزة قد يصل سعر الواحد منها إلى ملايين الريالات، وكنت أنجز أعمالي بدون خوف، بل إنني ومن خلال التجربة تعلمت أن أصلح الجهاز وغيره حين يصاب بعطب ما، كل مايمكن أن أقوله إن عقلية من يديرون معمل الأبحاث هناك كانت تفكر في الإنتاجية والتعليم بل إن أحد المشرفين على رسالة الدكتوراه قال لي وهو يضحك حين عبرت له عن مخاوفي من تخريب الجهاز لأنني لم أعمل عليه من قبل «ولايهمك، لن تتعلمي مالم تخربي جهازاً أو جهازين» وأكمل حديثه سارداً الروايات عن عدد الأجهزة التي تلفت تحت يديه .. وكلامه هذا لاينطلق من أن المجموعة البحثية تملك الأموال الطائلة بل كان هو يمضى جل أيامه بحثا عن تمويل، لكنه ينطلق من رسالة أساسية وهي أن نتعلم نحن الطلبة وأن ننتج وننجز. والآن هنا؛ ألاحظ أن طالبات البكالوريوس في بعض التخصصات تدرّس لهمن تجارب معملية لم تحدث منذ أكثر من عشر سنوات. هناك طالبات يتخرجن في تخصص علمي دقيق بدون حتى أن يتعلن كيفية استخدام «الماصة»! والسبب طبعا هو كثرة الأعداد التي تجعل البعض منهن يكتفين بالمشاهدة وعدم إجراء التجربة العملية وهذا نوع مختلف من التسرب الدراسي! أما عن طالبات الدراسات العليا؛ فالبعض يكتفي بتلقينهن، وينسون أن الدراسات العليا تعتمد على التعليم الذاتي واكتساب مهارات تؤهلهن لأداء البحث العلمي باستقلالية. فكيف يمكن لهؤلاء أن يدخلن الحياة العملية؟ ولماذا لا تلجأ المسؤولات والمسؤولون عن هذه الأقسام إلى التطوير والتحديث؟ هل هو نقص الأموال أم هو خوف من التجديد أم هو انشغال بأمور تافهة؟ مجرد أسئلة زادتني إحباطاً وجعلتني أرثي لحال هؤلاء الطالبات اللواتي لن تسنح لهن الفرصة حتى يكتسبن مهارات جديدة.