أعرف الطريق إليها.. حروفها تتمازج مع دمي، أحبها، تتسلقها عيناي كما كنت أتسلق نخلة بيتنا القديم، اسمها يبعث الفرح، هو اسم عاصمة الوطن. مدخل مدينتها كبير واسع لامع، شارع أمامي كبير تتوسطه صور الكبار ثم أدخل لعالمها عالم مزدحم، فأبحث عن طريق حارة بعينها، تلك التي اعتدتها وأعتادتني. كل شارع له عالمه. عالم بعد عالم هنا تعرض المنتوجات المحلية، كل منتج ممكن أن يكون عرضاً لأكثر من سوق مركزي، وكل شيء به قابل للنقاش، وقابل أن يحرض الكلمات على القفز عبر المسافات خلفه مباشرة ليأتي تعليقاً واستنتاجاً لعرض كبير ومتوتر ومؤثر، بما تبعثه لنا منتجات العالم، وخاصة مما كان يدعى بالعالم بالحر، نيران قد تبدو هنا وهناك صور وصرعى، وأن نهرب من ذلك علينا سرعة الدخول لعمق الحارة، حيث هناك مفترض أن أجد بيتي وعنواني، على أن أقلب النظر كثيراً وأمر على مساكن أصحاب وأصدقاء أبعث لهم بالتحية، وأشرب من قهوتهم الطازجة وآكل معهم خبزهم الحار. الحارة هي، هي، أعرفها، الطريق هو الطريق بهندسته المعروفة، لم يتغير شيء. لوحات الشارع، تقاطع الطرق، الإعلانات، والوجوه المألوفة. وإشارات المرور الخضراء ساطعة نعرفها. ولكن أين عنواني. هو ذا ربما، لا ذاك، تلوح لأ كبيرة. المكان هو، اقف عند العتبة، عتبة بيتي، منذ سنين بعيدة وأنا أسكن هذا البيت صرت معروفة بهذا الموقع، ليس في الحارة نفسها ولا بين أهلي والمعارف فقط، بل ساعي البريد يعرفني، ومن أقاصي الدنيا يعرفون الطريق لبيتي. لكن بيتي، لم يعد بيتي، على لوحة بيتي صورة جديدة لوجه أعرفه حق المعرفة، صوت نقي مثقف أتابعه، وكم كنت معجبة به ومازلت، ولكن. في بيتي الذكريات والجيران، ونبض المشاعر والحروف، الآراء المتصادمة والمتقابلة والمتطابقة، تتعانق أحياناً الحروف فتكون حميمية التدفق وتصرخ أحياناً حتى تكاد لا تسعها سلة الأفكار التي تنبض حروفها بكل ما يدعو للمناقشة. الساكن الجديد، مثقف وجميل العبارات. أرفض أن أجعله في خاطري محتلاً، كما يؤلمني حد البكاء أن يكون بيتي من دون البيوت حائطاً قصيراً، سهل الدخول له دون الحاجة إلى دق جرس الباب استئذاناً. كنت أتقاسم الزمن مع أفكار أخرى، تحفل حروفنا بالصدق والصراحة والوضوح من خلال البيت الذي كان لنا، نصف الزمن لي ونصفه له. أقف عند العتبة والوجه يطل للساكن الجديد، أمسك بعد طول سفر طويل نبض أحرفي تتقاذفني كلماتي، وتدفعني حيرتي، كيف ممكن أن يتحول النبض إلى صرخة، ولمن أوجه العتاب والصرخة. للرجل الساكن أم لمن بيده المفتاح. وأجد أن المقيم الجديد لا ذنب له، وأن حروفه اليومية تستحق العناية فعلاً، لكن تلك العناية، لا يجب أن تأخذ مني عنواني، وتحيلني للغربة بموقع آخر وفي خضم سمك القرش العالمي، وشؤونه الدولية. هو نبض أحرفي، يتخمر في دمي ليجد مكانه بين مائدة الصباح الطازجة..وأنا أحب عنواني، العودة له كما يهزنا الشوق لغرفنا وبيتنا بعد طول سفر ومهما كان مستوى الفنادق. فالبيت دائماً هو الأجمل. لازلت أبحث عن عنواني، ولازالت الغربة شوكاً يدق بأعناق حروفي فتؤلمني.