كنتُ أرى الأشياء مجرد أشكال ضخمة أو صغيرة ولا أفهم منها شيئاً.. أقترب بخُطى غير متوازنة من قطعة مركونة في زاوية الغرفة.. أمد يدي الصغيرة إليها، فتسقط متناثرة.. تصرخ أمي: لقد كسرت التحفة الفنية.. ويلي.. أترك أمي وبيدها ما يسمونه المكنسة وأمضي إلى الطاولة.. أفحصها.. إنها متينة.. وتشبه رأس جدي.. أقفز جالسة عليها، ساهية في أشكال و أشخاص تعبر أمامي مثل أشباح تضحكني حيناً.. وتبكيني تارة أخرى.. صوت أخي يقترب، فأنزل هاربة إلى المطبخ.. إنه يضربني دائماً.. لذلك أركض بعيداً عن الوحش الأسود وعن أنيابه البيضاء المعكوفة مثل فأس حجري.. أمد يدي ربما إلى الخزانة أو إلى أحد الرفوف، فتسقط صحون وكؤوس كثيرة.. سيصرخون عليّ.. سيضربني الوحش.. أقبض على نثارات من الزجاج، وآكلها مثل الحلوى حين يتلذذ بها الصغار الذين يزورون بيتنا.. سائل حار يأخذ طريقه من فمي إلى ثيابي إلى البلاط.. أصواتهم تحيط بي مثل ليل أسود لا يهرب معي.. كأنني فتحت الباب ونزلت الدرج.. الأصوات تبتعد.. وأنا أمشي في الشارع.. معادن ملونة بدواليب تروح و تجيء.. ألمس واحدة منها مسرعة فأسقط على الأرض.. يخرج الرجل صارخاً مزبداً.. وحين يراني، يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أتابع الطريق المتلوّي كسلوك البشر.. الناس منشغلون بأشباحهم، وأنا سأصل إلى مكاني الأخضر.. هناك، الشجرة الضخمة تنتظرني. اشتقتُ للنملة الكبيرة التي أركض وراءها.. معدتي تؤلمني أو عقلي.. هل أنا جائعة..؟ أضع يدي في أول كيس أسود وأسحب منه شيئاً.. أضعه في فمي وأمضغه.. امرأة منحنية الظهر تمرّ بجانبي.. تعطيني قطعة معدنية من الفضة.. أمي تحب هذه القطع.. أرمي القطعة في الهواء.. فتأتي على رأس شبح أسود يقترب مني صائحاً: انتبهي.. ألا ترين الناس..؟ امرأة أخرى تقول لي: أين أهلك؟ أين بيتك؟ أبتعد هاربة في زقاق صغير.. لا أحد هنا.. أجلس على الأرض.. وأغفو.. فأرى بوماً يحدق بي.. كيف صارت شجرتي بوماً؟!.. وأرى عصفوراً ينقر عيون الأشباح.. وشمساً تغرق في البحر.. أصعد خشبة قديمة وأدفعها إلى الموج.. المسافة بعيدة بيننا.. سأرمي نفسي في المياه لأنقذ الضوء.. أصيح.. وأصيح.. أفتح عينيّ.. أشخاص يلتفون حولي بينهم أبي وأمي وأخي.. أشباح كثيرة تتمايل كدخان المدفأة.. فأصيح: سأرسل لكم العصفور.. الشجرة.. النملة.. الشمس تغرق.. الخشبة.. البوم.. وأجهش في البكاء.. يحملني أبي بين ذراعيه.. يقبّلني.. ويمشي.. ببطء، يصعد درج بيتنا.. فأصرخ: لا، لا أريد.. تمسح أمي وجهي قائلة: حبيبتي.. هذا بيتنا.. أصرخ: لا، لا أريد.. أصمت ثم أصرخ: أخي.. شبح.. ثم..، لا أعرف كيف مال رأسي على كتف أبي واستراح في نومة عميقة.. هل سمعتم أبي يؤنب أخي بشدة و يتوعده بالضرب فيما إذا أزعجني ولو بكلمة؟ أنا سمعت، وأحسست بأخي يقبّلني واعداً العائلة بعدم إيذائي.. ربما، غفوت.. كنتُ سعيدة برؤية البحر والسفينة والشمس التي أنقذتُها، فحملتْني إلى السماء.. أدور بين الغيوم والنجوم والورود الغريبة.. أدور كموجة مسحورة نحو الضوء.. ربما، جاء الصباح التالي، فكان أنْ بكتْ عائلتي عليّ، والجيران. والأقرباء.. حزنتُ لأنني هنا.. ومَن يكون هنا لا يستطيع أن يمسح دموع مَنْ يحبّ.. أراهم يغسلون جسدي، ويحملونه في تابوت إلى مكان يجتمع فيه أهل السبات الأخير.. باردة حرارة التراب.. وحارّة برودة دمي.. بين الطاقتين أتجوّلُ عصفوراً ينقر عيونَ الأشباح، وشمساً تصعد المراكب، ووردة ً بيضاء في عريشة بين النجوم..