تحدثنا في الاسبوع الماضي عن الصداع، تكلمنا عن كيف ان الصداع يؤثر على الصحة بشكل سلبي، فهو مشكلة صحية، واقتصادية، واجتماعية حيث تؤثر علًى حياة الفرد بين كل عشرة اشخاص هناك تسعة اشخاص يعانون من الصداع، وان تكلفة الغياب عن العمل في بريطانيا وحدها من جراء الاصابة الصداع هو ما يقارب حوالي ثلاثة مليارات دولار سنوياً.. سواء كان في القطاع الحكومي او القطاع الخاص.. ان هذه المبالغ التي تعتبر التكلفة المباشرة للغياب عن العمل، ولكن هناك تكاليف اخرى مباشرة وغير مباشرة مثل تكلفة العلاج في المستشفيات، والفحوصات التي قد تكون كلفتها عالية، مثل الاشعة المقطعية اوالاشعة بالرنين المغناطيسي، وكذلك الفحوصات الاخرى التي قد لا تكون بسيطة او رخيصة، هذا غير تكاليف الادوية والتي ايضاً قد لا تكون رخيصة في بعض الحالات..! وكذلك فإن هناك اشخاصاً يجبرهم الصداع على ترك العمل والتقاعد او ان يتقاعد الشخص بناءً على تقارير طبية تنصح بعدم صلاحية الشخص للعمل بسبب الصداع . كما ان الصداع يسبب مشاكل اجتماعية، حيث تقلل من اختلاط الشخص بالآخرين، حيث يتعود الشخص على الاعتزال والبعد عن الزيارات العائلية نتيجة الاصابة بالصداع ، وتقول الدراسات بأن هناك خمسة اشخاص بين كل عشرة اشخاص يستيقظون يومياً على الصداع، ويستمر الصداع معهم طوال اليوم. وينظر كثير من الاشخاص على ان الصداع امر طبي تافه، ولكن الحقيقة والواقع فإن الصداع مرض مزعج، ويؤثر سلبياً على حياة الفرد والمجتمع. اما لاكتئاب فهو مرض مزعج، ويعتبر واحدا من اكثر الامراض انتشاراً في العالم، حيث ان الاكتئاب هو المرض النفسي الثاني من حيث الانتشار في الولاياتالمتحدةالامريكية، بعد مرض الادمان على الكحول، وتتراوح نسبة الاكتئاب بين الرجال تقريباً 6٪ بينما قد يتضاعف هذا العدد ليصل الى حوالي الضعف 12٪ بين النساء..! لذلك فإن الاكتئاب واحد من اكثر الامراض النفسية انتشاراً، وكذلك فإن تأثير الاكتئاب على الاشخاص، تأثير سلبي، وقد يعوق الاكتئاب المرضى، حيث قالت تقارير رسمية صادرة عن منظمة التجارة العالمية في بداية القرن الحادي والعشرين، بأن هناك عشرة امراض قد تسبب الاعاقة بين الشباب، وكان من ضمن هذه الامراض العشرة، خمسة امراض نفسية، احدها: الاكتئاب، حيث قالت التقارير الطبية بأن الاكتئاب قد يسبب الاعاقة للشباب بسبب اعراضه المزرية، مثل الحزن والشعور بفقدان الاهتمام بكل ما يدور حول الانسان، وكذلك فقدان الاستمتاع بأي متعة في الحياة، وكذلك فقدان القدرة على التركيز، والتي تجعل الشخص لايستطيع ان يركز في عمله او دراسته وهذا ما يسبب فقدان الشخص لعمله او فشله في الدراسة، احياناً يكون هذا التدهور في الدراسة مفاجئ، بعد ان يكون الشخص جيداً ناجحاً في دراسته بل ربما يكون من المتفوقين، وبعد ان يصاب بالاكتئاب فإن مستواه الدراسي يتدنى بصورة مريعة، لذلك قد يستغرب الاهل حدوث تدهور مفاجئ في مستوى دراسة ابنهم المتفوق..! الصداع هو اكثر الاعراض العضوية المقترنة بالاكتئاب، فأكثر الاشخاص الذين يعانون من الاكتئاب غالباً ما يشكون من الصداع. ويعتقد الاطباء بأن هناك علاقة بين الصداع النصفي والاكتئاب. ففي دراسة امريكية، استنتج الباحثون بأن من يعانون من الاكتئاب يكونون اكثر عرضة للاصابة بالصداع النصفي. وهذا لاحظناه في حياتنا العملية، فكثير من الذين يشكون من الاكتئاب يعانون من صداع نصفي، ولكن كثيراً ما يطرح السؤال: من الذي بدأ اولاً، هل هوالاكتئاب ام الصداع النصفي؟ غالباً لا يستطيع المرضى معرفة الامر بشكل دقيق، فهم يشكون من الكآبة وفي نفس الوقت يشكون من الصداع النصفي، ولايعلمون على وجه التحديد كيف يربطون بين الاكتئاب والصداع النصفي. لدي صديق يعاني من الصداع النصفي، وهو اضطراب مزعج للغاية، حيث يكدر خاطر الشخص، ويجعله غير قادر علِى فعل اي شيء، ويرغب في العزلة والبعد عن الاضاءة، واضطر الى تناول عقار مضاد للاكتئاب، ولكن هذا الدواء رغم انه مضاد للاكتئاب الا انه ايضاً يستخدم في علاج الصداع النصفي. هذا العقار معروف واسمه العلمي اميتربتلين، ولكنه يستخدم في علاج الصداع النصفي بجرعات صغيرة مقارنة باستخدامه كمضاد للاكتئاب. هذا الصديق عندما تنتابه نوبة صداع نصفي، فإنها تجعله يعيش في حالة صعبة، واثر ذلك على حياته الاجتماعية والعلمية وربما ايضاً لعب دوراً في حياته العائلية والاسرية..! كشفت هذه الدراسة ان من يعانون من الصداع النصفي يشكون دائماً من مشكلات ذهنية وجسدية واجتماعية اكثر ممن لايعانون منه. وهذه ايضاً من الحقائق التي يعرفها الكثيرون ممن يعملون في حقل الطب النفسي او طب الاعصاب. قام مجموعة من الاطباء من كلية البرت اينشتاين الطبية في نيويورك التاريخ الصحي لسبعمئة وثمانية وستين شخصاً يعاني نصفهم من الصداع النصفي، فوجدوا ان سبعة واربعين في المئة من المصابين بالصداع النصفي تهاجمهم نوبات من الاكتئاب، مقابل سبعة عشر في المئة ممن لايعانون من الصداع النصفي. لكن هذه الدراسة والتي فحصت مرضى من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة خلصت ايضاً الى ان لكل من الصداع النصفي والاكتئاب اسبابه الخاصة رغم ارتباطهما. وقال الدكتور ريتشارد لبيتون انه من المنطقي ان يصاب مرضى الصداع النصفي بالاكتئاب بسب الألم الذي يسببه لهم الصداع. وتابع ان الامر له وجه آخر، فمرضى الاكتئاب اكثر عرضة للاصابة بالصداع النصفي، معرباً عن اعتقاده بأن يكون العارضان لهما طبيعة عصبية واحدة. وكشفت دراسة اخرى اجراها باحثون من هولندا ان الصداع النصفي يمكن ان يكون له تأثيرات خطيرة على حياة الناس. في الدراسة الهولندية قام الباحثون بفحص ستة آلاف حالة تقريباً تعاني عشرة في المئة منها من الصداع النصفي. وخلصت الدراسة الى ان المصابين بالصداع النصفي يشعرون بأن لديهم قصوراً في الجوانب الاجتماعية والذهنية من حياتهم مقارنة بمرضى الربو على سبيل المثال. لكنهم في الوقت نفسه فإنهم يعتقدون انه يمكنهم بذل مجهود جسدي اكثر من مرض الربو. وقال الدكتور بينور لاوتر من المعهد القومي للشيخوخة في بيثيسدا في هولندا، ان إحدى المشكلات الكبرى التي يواجهها مرضى الصداع النصفي هي عدم توقعهم لأوقات عصبية، وهي اوقات الاصابة بنوبات الصداع النصفي. وأضاف ان المصابين بالصداع النصفي يتأثرون معنوياً به. وهذا الجانب مهم جداً في حياة الشخص كما ذكرت في بداية الحديث عن الصداع النصفي. وخطورة الموضوع ان الاشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي لا يعرفون ولا يتوقعون متى ستهاجمهم هذه النوبات كما لا يعرفون كيف يسيطرون عليها عندما تبدأ. وفي المملكة المتحدة يتعرض نحو عشرة في المئة من السكان للصداع النصفي وغالبيتهم من النساء. ان الصداع والاكتئاب مرتبطان بشكل كبير، وما زالت هناك ابحاث في كثير من الدول الغربية، لمعرفة علاقة الكآبة بالصداع، سواء كان الصداع النصفي او الصداع غير العضوي. إن الشخص الذي يعاني من الصداع النصفي، ولا يعرف من ستهاجمه نوبة الصداع النصفي، ويعيش مكتئباً، وهذا يؤثر نفسياً على الشخص. ان هناك ادوية فعالة لعلاج الصداع النصفي الآن، وكذلك هناك ادوية جيدة لعلاج الاكتئاب، والتي قد تفيد في الكآبة وكذلك في الصداع النصفي. على الشخص الذي يعاني من الكآبة او الصداع ان لا يترك الامر ويعتبره امراً تافهاً، بل عليه ان يطلب العلاج، فهذان المرضان او هذه الاعراض مزعجة ولها تأثيرها النفسي، والصحي، الاجتماعي والمادي على الفرد وعلى المجتمع..!