من الطبيعي أن يمر الأبناء بالكثير من المشكلات والاضطرابات النفسية والسلوكية في مراحل مختلفة من العمر وقد تبلغ هذه الاضطرابات ذروتها في مرحلة المراهقة حيث تشهد تلك الفترة انقلاباً وتحولاً نتيجة للتغير الجسدي الهرموني والنفسي والعاطفي في حياتهم، لذا يجب على الآباء التقارب والتفاهم مع الأبناء في هذه المرحلة، فكيفية تعامل الأسرة مع مشاكل المراهقين بالتربية الجيدة والقدوة الحسنة والدعاء لهم بالصلاح والحفظ من الانحرافات العقدية والأخلاقية هي المنهج القويم الذي يمنح النشء مناعة من الانحراف ويؤدي إلى الاستقرار والنمو الطبيعي، وما وجد الخلل الفكري والسلوكي إلا بسبب النشأة غير القويمة نتيجة لأداء الأبوين رسالتهما بصورة غير صحيحة، وانشغالهما جل وقتهما بالجري وراء الحياة المادية، وكثرة المشاكل والخلافات الزوجية التي تعجل بتفاقم مشاكل الأبناء وظهورها على السطح لتصبح أكثر تعقيداً. وننصح بضرورة تنمية أسلوب الحوار والتفاهم بالتعقل المشبع بالرحمة من كلا الأبوين باعتبار أن المسؤولية مشتركة تجاه الأبناء، وعلى الأب خاصة أن يحذر من انشغاله بالحياة وأن يتقرب إلى أبنائه متابعاً لأمورهم ومهتماً بمشاكلهم ومساعدتهم على حلها وأن لا يكتفي بالقاء المسؤولية على الأم لأنه في غياب الأب يكمن الخلل، ونؤكد على أن التربية الصحيحة تبدأ بترغيب الطفل الصغير وتتدرج إلى تأديب المميز (إذا تطلب الأمر) وتنتهي بتأمين الحماية للأبناء من كل ما قد يفسد أخلاقهم وفطرهم السليمة، فحسن الخلق لا يتأتى من فراغ بل ببذل الجهد والتنشأة السليمة وغرس تعاليم الدين الصحيح وتعويدهم الخير والفضيلة، ومنحهم البدائل الطيبة لقضاء وقت الفراغ ومشاهدة الإعلام الهادف والبناء وربطهم بالعلماء الراسخين في العلم وحمايتهم من الانحرافات العقدية والفكرية والأخلاقية ومعاملتهم بالعدل والرحمة والاكثار من الدعاء لهم بالصلاح، وفي هذا الجانب يذكر أحد التربويين الفضلاء في ندوة إعلامية أنه وجدت عائلة كل أبنائها من طلبة المدرسة يتميزون بالصلاح والتفوق مما جعله يتشوق لرؤية والد هؤلاء الأبناء ليعرف سر تربيته لأبنائه ولما قابله وجده إنساناً ذا دين وخلق غير متعلم بسيط في حاله وعندما سأله عن سبب تميز الأبناء قال له هذا الأب القدوة الحسنة لا اعرف شيئاً عن التربية سوى أني ما سجدت لله سجدة إلا سألته صلاح الذرية. ونعتقد أن التنشئة السيئة والتهرب من تحمل مسؤولية تربية الأبناء من شأنه أن يجعلهم يقعون فرسية وضحية للمجرمين وعديمي الضمير والأخلاق الذين يظهرون بمظهر الناصح وبذل المساعدة فيعمل على استغلال الظرف لحاجة في نفسه المريضة فيقع الأبناء في بحور الانحراف، عندها لن ينفع الآباء تبادل القاء اللوم على بعضهم البعض لأن الضحية هم الأبناء فيحدث تأثير وخلل على شخصياتهم التي تعتبر التنظيم الديناميكي للسلوك والذي يكمن في الدواخل فيعبر فيه الفرد عن ذاته! فكيف يمكن لفاقد الشخصية السوية أن يعبر عن نفسه بصورة طبيعية. ونخلص إلى أن أول خطوات الطفل في هذه الدنيا تبدأ بين والديه فتتشكل في نفسه أول صور الحياة متأثراً بهذه البيئة سواء حسنة أو سيئة فالوالدان لهم أثر كبير في دين وخلق الأبناء لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» وهذا ما يشير إليه بعض المختصين في علم الاجتماع أن الدراسات العالمية في مجال السلوك تؤكد أن الطفل يتعلم كما يعيش، فالطفل الذي يعيش الاثم والخطأ والانتقاد يتعلم الادانة والاتهام والشعور بالذنب، والطفل الذي يعيش العداء والقسوة يتعلم العنف والكراهية، وكذلك الطفل الذي يعيش السخرية فإنه يتعلم الخجل، بخلاف الطفل الذي يعيش الأمن والتشجيع والشكر والاستحسان فإنه يتعلم الثقة بالنفس والتقدير والاعجاب وتقبل الذات، والطفل الذي يعيش المساواة يتعلم العدالة، وكذلك عندما يعيش الطفل القبول والصداقة يتعلم كيف يحب في هذا العالم، وأعتقد بأن التربية الصحيحة بالترغيب والتأديب والوقاية تشكل أساساً لحماية الأبناء من الوقوع في الانحراف لما ثبت عن المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم أنه قال «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع». [email protected]