تزداد مع الايام إعلانات الشركات حول استثماراتها المالية مثل طرح سندات أو شراء حصص في شركات تحت التأسيس أو شراء اسهم في شركات قائمة أو الدخول في صناديق استثمارية الخ حتى انها اصبحت حمى من الممكن ان نسميها «حمى الاستثمار المالي» مع ملاحظة أنها لا علاقة لها بانفلونزا الطيور!! بل إن الشركات الصغيرة أخذت تسابق الشركات الهوامير في هذا التوجه نحو الاستثمار المالي وكأنها ترجو هروباً من مجال عملها الذي يعتقد أنه «ضيق» وانما ضيقته قلة الحيلة وضعف التفكير الاستراتيجي، لا غير. هناك أمثلة حية تخص شركات مساهمة بدأت وبكل جرأة تطلب تغيير مسمياتها أو أغراضها حتى لا تعيقها عن «السياحة المالية الاستثمارية» هنا وهناك!! إنها وبكل بساطة «سياحة» أو «تجوال» استثماري يرنو إلى تملك حصص مالية في شركة هنا أو مصنع هناك أو عقار منزوٍ أو مزرعة مهجورة (أقصد مشهورة!!) وعندما نطلق هذا المصطلح فالسبب يأتي من خلو مثل هذه القرارات تماماً من عنصر «التركيز الاستراتيجي» المطلوب لجميع الشركات المحترفة التي تمارس أعمالها حسب أنظمة وقوانين وإجراءات حاكمة لعل من أشهرها ضرورة التمسك ب«غرض» واضح ومحدد يعلن للعموم وتعرف (بضم التاء) به الشركة ويميزها عن غيرها من الشركات. مبالغة الشركات في الاستثمارات المالية ولنسميها الجانبية (تذكروا الجانبية) جعل من هذا الأمر «حمى» تهدد بضياع «شخصية» الشركة (تذكروا شخصية الشركة) ما يستدعي تدخل الجهات المعنية لوضع حد لظاهرة توجد في كل أسواق العالم ولكن في سوقنا لها وضع خاص.. كيف؟! في سوقنا أصبحت بعض الشركات المساهمة «مطاطة» بدرجة مخيفة ولن تستطيع الشركة المنخرطة في السياحة الجانبية الإجابة الحقيقية عن أسئلة بسيطة وتقليدية مثل (ماذا تعمل الشركة؟) أو (ماهو تخصصكم ياقوم؟!).. الشركة التي تتردد في الإجابة عن أسئلة كهذه قد تكون ناجحة في الاستثمار المالي وقد تحقق أرباحاً جانبية جيدة (ليست أرباحاً تشغيلية) ولكن الشركة تفتقد ما يلي: 1- التركيز الاستراتيجي والشخصية المحددة. 2- الرؤية المركزة للاستثمار الاستراتيجي الذي يولد أرباحاً تشغيلية مطلوبة بجد عند تقييم الشركات. 3- الربط بين الشركة وصناعتها وعدم تمكن الشركة من تطوير الصناعة التي تعمل فيها. ومن ذلك ضعف القدرة على تطوير الصناعة لفائدة الاقتصاد الوطني كمثل عدم قدرة الشركة المتخصصة في السياحة على تطوير صناعة السياحة وتركت المهمة لمؤسسات فردية وشركات عائلية ومستثمرين أفراداً. 4- تنافسية الشركة في الصناعة أو السوق الذي تتخصص فيه وذلك على المدى الطويل ولعل الاخطر في ذلك عدم قدرة الشركة على تطوير «ميزة تنافسية مستدامة» في صناعتها ما يفقدها (ربما القدرة على الاستمرار في مجالها المحدد). إنها أنفلونزا حادة حصيلتنا منها شركات أخطبوطية بتوجيهات استثمارية مشتتة، شركات غير قادرة على الفعل الاستراتيجي أو الجهد التطويري رغم نجاحها في المضاربة والاستثمار المالي والسؤال يقول: هل أسست هذه الشركة لتكون «صناديق استثمارية» ضاربة أم شركات متخصصة ومحترفة في مجالات محددة تعمل لصالح الشركات المساهمة والاقتصاد الوطني؟ هل الغرض من تأسيس الشركات المساهمة أن تكون شركات مضاربة واستثماراً مالياً وتملك حصص بسيطة هنا وهناك واللعب من جانب الملعب أو من جانب العارضة!! (تذكروا استثمارات جانبية) أم أنها شركات أسست لغرض إستراتيجي يهم المساهم والمواطن والوطن؟ الذي يملك الاجابة المنطقية عن هذين السؤالين ليشاركنا دعوة الجهات المختصة من أجل وضع حد لمثل هذه الظاهرة المسيطرة على «عقل» وتوجهات الشركات المساهمة هذه الأيام؟؟ * متخصص في الإدارة الاستراتيجية