منطلق النجاح والفشل في العمل الإداري مهما كان المجال والحجم يبدأ من رؤية القائد وتوجهه ومن قناعاته وثقافته. تلك حقيقة لا جدال حولها فالقائد الإداري الواعي يكون قادراً على تذليل كل معوقات العمل وعلى تحقيق الإبداع والتميز في الخدمات المقدمة للمستفيدين. وفي المقابل فإن الإداري الضعيف قد يكون سبباً رئيساً ومباشراً في هدر الامكانات وفي توليد وترسب بعض المشكلات وتعاظم حالات التذمر وفي نشاط ظاهرة المنافع الذاتية وتعاظم المحسوبية وترعرع الاتجاهات المتناحرة داخل بيئة العمل الوظيفي. إن القائد الإداري الواعي هو القادر على رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات وفق الأولويات واستقراء المخاطر المحتملة وتفريغ حالات التبرم وتوفير البيئة المناسبة للإبداع والتطوير. ولذا فهناك تلازم وثيق بين النجاح وطبيعة الإدارة المشرفة. إذا سلمنا بتلك الحقيقة يتولد لدينا سؤال استنتاجي. ما هي مقومات النجاح والفشل في القيادة الإدارية داخل الإدارة التربوية والتعليمية؟ في الإجابة لابد من الوقوف عند بعض الأمور: منها أن الإدارة مرتبطة برؤية ونشاط الفرد الممثلة بالمدير القيادي واتصالها بروح الجماعة المتمثلة بجمع الموظفين في دائرة العمل فكل منهما مكون للآخر ومؤثر ومتأثر به فالصورة كما يرى عالم الإدارة جيمس ل (بأن الإدارة الفاعلة هي انجاز العمل عن طريق الآخرين) ثم إن الإدارة فن ومهارة وإدراك لا تكتسب وتصطنع بالجملة. بل تتولد وتتنامى في عقلية الفرد ومكونات شخصيته وتصطبغ في ثقافته. يكملها التأهيل والتخصص والرغبة والحماس وقوة الوازع الديني والضمير الحي المدرك لحجم المسؤولية. إن القيادي الناجح هو الذي يصنع القرار وفق خطوات عملية منظمة ومحددة. واعياً لواقع العمل ومدركاً للمخاطر المحتملة ومستشرفاً لتأثير القرار على المستهدفين في بنوده والمباشرين في تطبيقه وقادراً على معالجة جوانب الخلل واستكمال النقص حال ظهوره وتنفيذه، لذا فإنه يعتمد في قراراته على جملة من الأمور منها توفر المعلومات والاحصاءات والبيانات والدراسات المتخصصة التي تبعده عن الارتجال واستفادته منها، وانتهاجه أسلوب الشفافية في الطرح والاستقبال لكي تتكامل معالم الصورة الصحيحة لديه، وقناعته بالرأي الآخر من خلال ثقته المتناهية بذاته وحرصه على توظيف التجارب السابقة متى دعت الحاجة لذلك، كما أن صناعة القرار ينبغي أن تنطلق من الأهداف العامة للمؤسسة التربوية، ومن المشروع المقترح ومن المصلحة العامة الحاضرة في كل خطوة. لقد مر في تاريخ التعليم ببلادنا جملة من القياديين المتميزين الذين يشاد بذكرهم في إدارات التربية والتعليم والذين حققوا نجاحات متصاعدة وخلفوا تجارب وأفكاراً ومواقف ظلت نماذج يحتذى بها ولم ينقطع ذكرهم عند خروجهم من دائرة العمل، ذلك أنهم وظفوا كل مقومات النجاح أثناء إدارتهم للعمل، وترجموا حالات التطوير والتخطيط إلى أفكار مثمرة وعملية منطلقة من أهداف مرسومة وبعيدة عن الارجال، حتى أصبحت دروساً لمن جاء بعدهم يحتذى بها وتمكنوا من إدارة العمل وفق فريق واحد منطلقه حب العمل والحماس والتفاني والحرص على الإنتاج. باختصار فإن الإدارة الفاعلة هي رؤية مستقبلية. معالجة للقضايا الآنية، ومدرسة لتدريب الكوادر الصاعدة تبلورها الثقة بالذات واستقراء المفاجآت وتوظيف سليم للموارد والامكانات المتاحة وإذابة لكل سبل الفرقة والانفصام بين مجتمع الإدارة الوظيفي وتفعيل برامج وأساليب تقويم الجهد وفق منهج موضوعي عادل. يرجع الإنجاز لأصحابه ويكافئ المجد ويحاسب المقصر ويحول دون تسيب العمل. وفي المقابل فإن من جوانب الخلل والقصور ومن بوادر الاخفاق في الإدارة ضعف الثقة بالآخر والخوف من النقد الهادف والتمركز والانغلاق على الذات والاحتماء بالنور الأحمر فوق باب المكتب خوفاً من المواجهة وتعظيم الذات من خلال بناء صور شكلية براقة تخفي معالم الخلل مثل البهرجة الإعلامية الهشة والابتعاد عن المفاهيم الصحيحة لقواعد العمل واستبدالها بمصطلحات مغلوطة وبناء أسوار هزيلة من العلاقات النفعية المحدودة التواصل والتي قد تحمي ولو وقتياً من النقد الموضوعي الكاشف.