هربت بعيداً، شرد ذهني فعاقبتني وشردت، طويت أوراقي، وحدقت في فراغ أيامي. عندما هربت مني الحكاية. كنت قد جهزت الحروف، جهزت الخيط والأبرة لأبدأ عقد الجملات، أطرزها بأنغام الكلمات وأطير بها كرسالة عشق لمعشوق أزلي. لم أكن التقط أنفاسي، كنت مجنونة بالركض لا كسيزيف وصخرته، لكن كمن يلاحق الضياء المسروق. لكني كنت غبية لم أعرف أن الشمس ما غادرتنا لكننا قدمناها هدية، ومن هنا انطلقت خلف الحكاية، لأبحث كيف غادرتنا الشمس، والحكاية تهرب لنبدأ من حكايتي معه. وجدت نفسي أمامه، لم أفاجأ به دائماً هو أمامي وأنا أركض برعب خلفه، لا أدري أيهم أمسك لأريحه أثناء ركضي، رجلي اليسرى المتعبة أم خاصرتي التي تتقطع، لهاثي ككلب أمضى العمر يبحث عن ماء، ودقات قلبي التي تشق هذا القفص المتعب. وجدت نفسي مقابلة معه، وجها لوجه، هل أنا كنت مسرعة لدرجة لم الحظها أم هو ضجر فقرر أن يواجهني ويعلن ملله مني، ومن عبثي، من كلماتي التي تحاول الطيران بأجنحة يثقلها الهم الذي أنحتها منه، وتتهاوى؟. أنا وهو، وجها لوجه، أكاد أتفجر غضبا وألما وحرقة وهو يتمطي غنجا ودلعا وأنوثة ظننت أن الإناث نسينها كثيراً. أنا وهذا الزمن، المحفوف الحاجبين الملمع بكل شيء، المزبرق الراقص على نزف الجراح، وعلى حشرجة احتضار موتانا، والذي يتراقص بي معه، وكل ما أملكه رغبة في نحت الكلمات من جبال منهوبة ورمال مسحوقة أعجن عجيني الصباحي بماء أنهار صب بها الحديد والكيمياويات، وبحار غادرتها زرقتها وتموجاتها ومات اللؤلؤ على حوافها، وأخبزه على أوراق حزني، فيطير هائماً لا يعرف المستقر فاقدا طعم الملوحة ورائحة الخبز الحار. هذا الزمن وأنا امرأة لا تدري أي حزن تسير به ماكنة خياطة الأخبار على قلبها، فتتبعها آلة التعليقات، وثقب زراره من كذب آلة التطمينات. تلفني وتدور دوامة من أسئلة، كل سؤال يولد أسئلة هو كما الزلزال الذي يضرب ويدمر لكن تخرج من بعده آلاف التوابع كل تابع يفجر مكاناً. هو وأنا والتوابع الزلزالية تدور بي ويرقص الزمن منها ويتراقص الشباب بعده. وكل زلزال يأخذ معه شيئاً مما تبقى، حتى بقيت انسج الكلمات وحيدة. أنا وهو يكلمني فتخرج الكلمات مائعة هي بين الصوت رجل وبين انثى وحيدة. أنا وهو يكلمني فتخرج المكلمات مائعة هي بين الصوت رجل وبين انثى تتمطى في قمة ضجرها، زمن خنثى، قال لي: ليس زمنك يا امرأة، طاردي حروفك الغبية بين أحلامك المثقلة بالكوابيس. كنت أطارده ليقف وأبحث معه عن الحكاية. تقابلنا وتواجهنا هربت الحكاية. وما بقي إلا الموت يأكل نصفنا، ونصف تمصمصه الكآبة، ونصفه الآخر يموت بالعشق الملون الخيابة. هذه حكاية، وهذه كلماتي مصلوبة، أتابع نشرات الأخبار والتعليقات، والمقابلات، وكل شيء يرسم وشما إثر وشم. تطبيع، أم رضاء للجزار بافتتاح مجازر في كل مكان يظهر لي شاعر يقول، قلت لكم ذلك اليوم : كل الحظيرة ستذهب بعد الثور الأول. ومقابلة تقول أن الشمس تنازلنا عنها، ورحنا نستلف الضياء، وعندما لانجد ما ندفعه ثمنا للضياء، سنموت بالظلام. هذه ليست حكاية، والحروف بقيت على حالها، جملة ينقصها حرف ج لكن يسبقها جز، وانشطرت بيوتنا كما شطرنا الشعر وجعلناه بحوراً، فلم يبق شعرنا ولا سلمنا على البحار. وهو يدوسني يسحقني، زمن لا أعرفه كيف أتوقع أن يعرفني. إذ لم تصدقوني تابعوا الأخبار والتعليقات ولا تنسوا المقابلات هي الإناء الذي ينضح ببعض ما لا يقال.