إذا أراد المبدع استمرار عطائه فلابد من اخضاع كتابته لتجارب متعددة - وان تصور غيره انها غير مجدية أو مؤثرة - فهي تبدو في غاية الاهمية والتأثير وان لم يكن ذلك ملحوظا او محسوسا او مدركا بالقدر الكافي الذي يبعث القناعة في عقل من لم يقتنع بفاعلية ذلك وجدواه. ولا تنتهي حاجة الذات المبدعة إلى تنشيط البنية الأولى لمحيط ابداعها وهو ما تقوم عليه الفكرة وتستقيم به أساليب الكتابة وتبدأ منه وتنتهي اليه تدريجيا. - والكتابة التجريبية تشبه تعثر اليد الصغيرة كلما اجتهدت في استجماع أصابعها.. وأرهقت اناملها بتصوير شكل الحروف على بياض الورقة دون تدبر كلماتها ومعنى ما تهجس به من ايقاع يصعب عليها رسمه، وعندها يستجير الحرف بحافة السطر ويرتقي سلمه درجة أخرى.. تنقذ سقوطه ان يقع في هاوية فشلها، وما يحدث معه أن لا تأذن الكتابة لحرفها ان يتوكأ على السطر فتنجو بذلك الصراط أناملها المتهدجة الوجلة عندها فقط تكون قد فهمت ما علمتها اياه حروفها فاستطاعت اناملها ان تمسك بحبل السطر، ولم تعد تعي معه اذا ارادت ان تكتب ما تعلمه فوق ظهر الورقة وتقفز على سطورها. وتلقي المبدع الهامه على صورة ما من التعبير يغذي الروح والمخيلة بمهارة مختلفة ويصقل قدرة الذاكرة ويمرنها على أن تتمرس، وتصبح أكثر لياقة في استعادة ذاكرتها المختزلة وتزداد قدرتها على استدعاء الهامها، ويتبين ما تفيض به ذاكرة المبدع دون غيرها وتتفرد بثروته التي يزداد غناه بها كلما سقتها المخيلة معرفة بالدنيا وتأملا فيها. ومهارة المبدع في ترويض الهامه أو تسخير لحظته الابداعية وصياغتها في ظروف لم تعتدها في سابق عهدها ومفاجأتها بتأسيس متجدد ينمي حسها الاسلوبي بتجديد جملها ونواحي مخيلتها ومعانيها، وتستنبط لالهامها المتربع في اللاشعور انماطا من الأسئلة المتباينة التي تنطلق من حاجة الذات دائما الى خبرة جديدة، وهو ما تستعين به في استلهامها المغاير بقراءته التعبيرية لما ألفته ثقافته في تعابيرها السابقة وهي الآن بانزياحها أو نزوحها الى تلوين صورها بألوان لم تكتشفها الذات المبدعة بعد ولم تهتد اليها تؤكد الحياة المديدة لنتاجها الابداعي المستمد ملامحه الجديدة من بحثه المتواصل عن ما يجعل معناه نضرا بتعبير لائق يتفرد فكره به ما يتبدى لمتلقيه من خلاله تلك الجرأة الابداعية ومدى ايغالها في اللاوعي واستقبال تجربته البكر ومعايشتها والاستفادة المتواصلة بها والتعلم مما فيها. وبذلك وبما يشبهه ايضا تتحول علاقة المبدع بمركز ذاكرته او خزينة الهامه ويصير لها ان تتلاشى، وفي مقابل ذلك يركض المبدع بالهامه الى نمط لا يجيده او يتمكن منه وقد يتناسى ما تتشكل منه طاقته الابداعية، ويجنح الى تقليد ما يموج به اي ابداع وان كان مستهلكا، ولكن ما يظل مشغولا به وما يفعله من تقليد فكري يؤدي الى تنميط ابداعه بنمط سواه وليس بنمطه ذاته وهو ما يجعله يدرك ما بدا عليه ويعي فشله وعدم تمكنه من صياغة اسلوب مختلف مغاير لنتاج فكره المشغول بمحاكاة جيله في هيئة ابداعه وتجاوز ذاته او تجاهلها وتناسيها او الغفلة عن جنوحها التعبيري الخاص بها ما يؤدي بابداعه الى تراجع قد يصاب معه بالنضوب ويجف معناه ازاء ما تعانيه كلماته من جدب. وما يطرأ لذات المبدع من تبنيها ذات سواها يجعل اللاوعي في حالة يتقصد بها ان لا يتمادى في الوصول بالهامه إلى حالة من الوعي كونه ليس مأخوذا بالذات التي تسكنه ويتغذى من الهامها ويختزن خبراتها ويستنير بنضج آلامها وآمالها ايضا وليس متمثلا لانسجام عواطفها ومتبنيا لافكارها ومشاعرها، وترابط ذلك كله وتآزره له دوره الواضح الذي يؤكد به اثره في ترسيخ التجربة الابداعية والاستفادة بما ينتج عنها من ردود فعل مناسبة او مغايرة لتصوراتها وما يتمثل فيها من تجربتها التي تتجسد بها صدمتها اللاشعورية والخبرة المترتبة عليها.