أقر مجلس الوزراء خطة التنمية الثامنة في جلسة الأثنين 19 شوال 1426، الموافق 21 نوفمبر 2005، بعد سبق عرضها على مجلسي الشورى والاقتصادي. ومن أبرز معطيات أو بالأحرى أهداف الخطة ما يلي: -توفير فرص العمل وتنمية الموارد البشرية. -تنويع القاعدة الاقتصادية وتحسين إنتاجية الاقتصاد الوطني وتعزيز قدراته التنافسية. -زيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. -مزيد توجه نحو اقتصاد التقنية والمعرفة والبحث. هذه الأهداف المقرة ليست في جملتها جديدة، فقد ذكرت في كل خطط التنمية السابقة بشكل أو آخر، والمسألة مسألة تصرف في العبارات، وبمعنى آخر الأهداف تتكرر في كل الخطط، ومن ثم لا أرى معنى لنسبة تلك الأهداف إلى الخطة الثامنة - أو أي خطة بعينها. تلك الأهداف ينبغي أو يفترض أن ينظر إليها على أنها استراتيجيات أساسية أو أهداف كبرى، وهذه الأهداف منها ما يفترض أن يعمل على تحقيقه باستمرار (مثل هدف توفير فرص العمل وتنمية الموارد البشرية)، ومن ثم لا أدري معنى إسناده إلى الخطة، وبعضها يتطلب تحقيقه -إن كان له أن يتحقق- مدى زمنيا طويلا (20 أو 30 سنة على سبيل المثال)، وهذه قضية أساسية. هل يخفى ذلك على وزارة الاقتصاد والتخطيط؟ من المستبعد جدا ذلك، وقد أشارت بعض الصحف منذ أسابيع قليلة إلى أن وزارة الاقتصاد والتخطيط قالت أن خطة التنمية الثامنة تعد أول خطة خمسية في إطار استراتيجية بعيدة المدى محددة الأهداف والغايات، يجرى إعدادها لكي تؤطر 4 خطط خمسية قادمة حتى عام 2024 لتمثل 4 مراحل مترابطة، ومتكاملة، تؤسس كل منها للمرحلة التي تليها نحو تحقيق رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة ومحددة بنهاية المدة الزمنية للاستراتيجية. العبارة السابقة يفهم منها أن كل خطة ابتداء من الثامنة تمثل مرحلة بعينها، وعلى هذا فالمرحلة الأولى = الخطة الثامنة. من ثم كان المتوقع تحديد وإقرار الأهداف الخاصة فقط بالخطة الثامنة باعتبارها أهداف المرحلة الأولى. كون أهداف الخطة الثامنة المقرة من قبل مجلس الوزراء هي من حيث طبيعتها استراتيجيات كبرى تتطلب سنوات طويلة، ليس بجديد على الحكومة، فقد أعلنت إدارات حكومية عن استراتيجيات طويلة الأجل، وأذكر من هذه الجهات وزارتي الصناعة والعمل. ذكرت بعض وسائل الإعلام في الصيف الماضي أن وزارة التجارة والصناعة السعودية بدأت في تنفيذ مرحلة جديدة لتنمية القطاع الصناعي في البلاد، وتوسيع حصة مساهمته في الناتج المحلي ليصل إلى 20 في المائة من إجمالي الناتج، مع حلول عام 2020. وذكر أن وزير التجارة والصناعة هاشم يماني استعرض أبرز الأسس وبرامج العمل اللازمة للاستراتيجية الصناعية والرؤية المستقبلية للقطاع الصناعي حتى عام 2020. أما وزارة العمل فقد أعلنت أنها وضعت استراتيجية شاملة للتوظيف أسمتها »استراتيجية التوظيف السعودية« يجري تنفيذها على مدى 25 عاماً تبدأ اعتباراً من العام الجاري 1426ه وتتم على مراحل ثلاث قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى. المصدر جريدة الرياض، الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1426ه - 41 يونيو 2005م - العدد 13504 . من الحديث السابق تكونت الملحوظات التالية: الأولى وهي تأكيد لما قلته من أن الأهداف الكبرى أو الاستراتيجيات الاقتصادية تتطلب مددا أطول من سنين خمس. الثانية أن هناك وزارات طبيعة عملها لصيق بالخطة، ولكنها أي الوزارات تعمل استراتيجيات لنفسها، وتطرحها للنقاش على الآخرين، دون حاجة أو رجوع إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط (كما يبدو)، ودون ورود ذكر عن خطط التنمية، وهذه قضية تحتاج لوحدها إلى نقاشات مستفيضة. الثالثة: كل استراتيجية من الاستراتيجيات الثلاث السابقة الذكر - استراتيجية وزارة الاقتصاد والتخطيط، واستراتيجية وزارة الصناعة واستراتيجية وزارة العمل- كل منها له مدة، ويبدأ وينتهي في موعد يختلف عن زميلاتها، ومن ثم يبدو أن كل استراتيجية عملت باستقلالية عن الأخرى، ولا أدري علام يحدث هذا، طالما أنه يفترض أن كل استراتيجية قطاعية منبثقة من خطط واستراتيجية تطوير وتنمية الاقتصاد، وطالما أنه يفترض أن وزارة التخطيط تشرف على التخطيط القطاعي . هل يعني ذلك أن خطط وزارة الاقتصاد لا تؤخذ بقدر كبير من الجدية لدى إدارات كثيرة؟ سمعت من مسؤولين حكوميين ذلك، والنقاش السابق داعم لهذا الرأي. هناك حاجة ماسة أولا إلى إعادة بناء لخطط التنمية، وثانيا إلى إعادة بناء لوزارة الاقتصاد، وثالثا إلى إعادة بناء لصلاحيات هذه الوزارة ورابعا إلى إعادة بناء علاقاتها بالغير وخاصة الوزارات الاقتصادية، وهذا موضوع طويل. لكن سأعلق على إعادة بناء خطط التنمية عبر نقطتين باختصار: -تبني استراتيجية طويلة الأجل (كما جاء في جريدة الوطن) بغرض التركيز على تحقيق نمو اقتصادي راسخ قابل للاستدامة. -كل مرحلة من مراحل الاستراتيجية قد تستغرق مدة أطول أو اقل من خمس سنوات حسب القطاع والظروف. أخيرا أليس من الغرابة أن تتبنى المملكة أسلوب التخطيط الاقتصادي الشامل في ظل نظام اقتصادي يفترض أنه حر؟ هذا ما يبدو لي، وبالله التوفيق،،، ٭ دكتوراه في الاقتصاد الكلي والمالية العامة