عندما يكون التيار الشعبي حراً في اختياراته، فإنه لا يمكنك أن تلومه لماذا ينضم للحزب الفلاني ويحب المغني العلاني، ويكره الشخص الذي احتل الزعامة عنوة، أو يثور على حالة ابتزاز أو تعد على مقدسات، أو حتى تقاليد.. الوطن العربي تعوّد أن يرى البعد الواحد من حياته فقط، أي كل الرؤى والسلوكيات والتصرفات ترسم من السلطة، أو الأب، أو رئيس العمل، ولهذا افتقد ان يقول كلمته بشكل صحيح لا يعاقب عليها طالما لا تخرج عن الآداب العامة والنظم المتعارف عليها.. في هذا السياق تدور الآن حركة نشطة للانتخابات بأشكالها المتعددة، والتجارب، بعد مراحل الحكومات الانقلابية، والأحزاب الشمولية، التي عطلت بدايات الحركة الديموقراطية، تعتبر جديدة، وإن جاءت إدارتها غير متكاملة، وفي بعض الأحيان حدثت مخالفات وتزوير وتدخل بوليسي، لكنها خطوة إيجابية كسرت عمراً من الانكسار الذي جعل عقيدة الحزب، والزعيم الذي يحصل على نسبة ال99٪ أمراً مفروضاً لا اعتراض عليه، وإلا فإن النتيجة المجازر أو السجون أو التهجير التعسفي.. في العراق ومصر تجري تجربتان للانتخابات قد تكونان مصدراً مهماً للأمة العربية والإقدام بشجاعة على مواجهة الواقع، تأتيان كثمرة لضغط شعبي، واستجابة حكومية، ولعل مصر التي أحدثت الانتخابات فيها، ما يشبه الانقلاب الشعبي، على الأحزاب التقليدية، اليسارية أو التي ظلت بلا مضمون عملي، أعطت للتيار الإسلامي قوته في الشارع، والذين يخشون أن تحدث هزة هائلة، لو صارت الأكثرية في عضوية البرلمان، مسلمين، ربما يعيدون سيرة أفكار بعض المتشددين الذين بوصولهم للسلطة سوف يعطلون بقية الأحزاب والتنظيمات، لكن بلداً كمصر، لا نعتقد أنه سيتراجع، بل إن وصول هذا التيار، وبهذا الحجم المعقول، سوف يضيف إلى السلطة قوة الشجاعة في المواجهة مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي والأمني برمته، بل ان تمثيل المسلمين كحزب أو أي اتجاه آخر، سيضعهم أمام مواجهات اختبار لا تقبل أنصاف الحلول أو تغليب رأي يريد فرض سلوكه أو نفوذه المعارض لمكتسبات شعبية أو الإخلال بنظامه لمصلحة مذهب أو اتجاه.. في العراق التجربة أقسى وأخطر، لأن أساس الدولة غائب بعد دكتاتورية شهدت ولادة جيل كامل مقموع، ومطارَد، ولذلك فالوجه العام يطرح البعد الديني، والمناطقي والقومي كحقيقة ثابتة في كل المعادلات، وهنا من المستحيل التنبؤ بالنتائج، وإن ظل الخيار المفتوح ان العراق لا يحتمل التقسيم، لأن نتائجه حرب أهلية، وربما تأتي الأمور بعكس الصور المتشائمة وتنجح التجربة. عموماً ما يحدث الآن هو إعادة اعتبار للمواطن، ولعلها المحاولة الأولى، التي تنتظر وضع خط جديد لنظم عربية قادمة، لن تقوم على صوت المدفع والبيان الأول..