لا يخفى على الجميع أن منظمة التجارة العالمية (W.T.O.) هي المنظمة الوحيدة التي تعنى بقواعد التجارة بين الدول، لذا فقد سعت الكثير من دول العالم إلى الانضمام إليها منذ إنشائها، وكانت المملكة العربية السعودية شأنها شأن بقية دول العالم سعت بكامل قوتها التفاوضية للانضمام لهذه المنظمة العالمية التي تقوم على اتفاقيات تمت مناقشتها والتوقيع عليها بهدف مساعدة منتجي السلع والخدمات والمصدرين والمستوردين في الاتصال فيما بينهم. وقد تكللت مساعي المملكة العربية السعودية بالنجاح بعد أن حملت الرقم 149 بين أعضاء المنظمة حيث تم المصادقة على وثائق انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية W.T.O.)) من قبل المجلس العام للمنظمة في جلسته التي عقدت بمقر المنظمة بجنيف السويسرية في 9/10/1426ه الموافق 11/11/2005م، وستتمتع المملكة بكامل العضوية في منظمة التجارة العالمية بعد ثلاثين يوماً من تاريخ المصادقة الأمر الذي أهلها لحضور الاجتماع الوزاري الذي يعقد في هونج كونج . وقد حققت المملكة هذا الإنجاز بعد رحلة طويلة وشاقة من المفاوضات مع مختلف الأطراف المعنية من أعضاء المنظمة وقعت خلالها ثمانياً وثلاثين اتفاقية ثنائية أو متعددة، وخاضت خلالها الكثير من الاجتماعات كما قدمت التزامات تجاه الدول الأعضاء فيما يتعلق بمجال تجارة السلع وتجارة الخدمات وغيرها. ويؤدي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (W.T.O.) إلى تغيير الملامح الاقتصادية والتجارية العامة للدولة داخلياً وخارجياً، حيث تتحكم الاتفاقيات التي تبرمها الدولة مع الدول الأعضاء في المنظمة والتعديلات التي تدخلها الدولة على أنظمتها التجارية بصورة عامة لتواكب متطلبات الانضمام لهذه المنظمة العالمية وتشكل ملامح السياسات العامة الاقتصادية والتجارية في الدولة، ويؤدي ذلك إلى التأثير المباشر وغير المباشر على الكيانات العاملة في الحقل التجاري من مستثمرين ورجال أعمال وغيرهم، وكذلك الكيانات العامة التابعة للدولة، وممارساتها التجارية مع الغير، حيث تستطيع رؤوس الأموال من خلال ما يتيحه انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية (W.T.O.) من نفاذ إلى الأسواق العالمية إلى الظهور في هذه الأسواق بكل سهولة ويسر عند التسلح بمتطلبات النجاح العالمية من جودة عالية للسلع والخدمات تفرضها روح المنافسة، وتأسيس الكيانات الضخمة التي يمكن من خلالها تحقيق نجاحات كبيرة، وإيجاد قاعدة ثابتة وأساس متين وسط المنافسين الذين يريد كل منهم الهيمنة على السوق والتحكم في تعاملاته بالسياسات التي تحقق لهم أكبر فائدة ممكنة. وبالإضافة للاستفادة من الميزات النسبية التي تتوفر للسلع والخدمات بالتركيز عليها وتنميتها فإنه يمكن للمملكة تطبيق حقها في حماية منتجاتها الصناعية في حدود المهلة المقررة لها والتي قد تصل إلى عشر سنوات يستطيع فيها المجال الصناعي الاستفادة من هذا الحق في مواجهة الغزو الصناعي الخارجي. ومن الآثار الإيجابية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية بالإضافة إلى ما تم الإشارة إليه ما يلي: - تفعيل تنظيم سوق المال بعد صدور نظام هيئة سوق المال الجديد مما يجعله يستقر بعد الاهتزازات التي تعرض لها في الفترات السابقة. - فتح آفاق جديدة أمام الشباب لممارسة الأعمال مما يخلق جيلاً جديداً يقوم على أسس قوية ومتينة ويغذي الاقتصاد الوطني. - توقع خصخصة بعض المرافق العامة يفتح أمام المستثمرين فرصاً ومجالات جديدة. وسيرتب انضمام المملكة للمنظمة كذلك الكثير من الآثار السلبية إن لم يكن الوضع بقدر التغيرات الجديدة في البيئة التجارية وتتوفر الرساميل الضخة والجودة العالية في كل المنتجات والخدمات ومن الآثار السلبية المحتملة: - فقدان بعض المكاسب التجارية أو الحد منها. - مواجهة منافسة قوية في السوق السعودي مع الشركات الضخمة والمستثمرين الأجانب بصورة عامة نسبةً لعملهم على إيجاد أرضية لهم في السوق السعودي أو ترسيخ وجودهم بصورة أفضل ومن المتوقع أن يكون التدفق على السوق السعودي كبيراً لما يتميز به من ميزات إيجابية تجعله متفوقاً على الكثير من الأسواق الأخرى. - المنافسة القوية التي ستجدها صادرات المنتجات السعودية إلى الأسواق العالمية. - تخفيض الضرائب على المستثمرين الأجانب مما سيعطيهم وضعية أفضل من التي كانوا عليها. ومن المتوقع تقليص قائمة النشاطات المستثناة من الاستثمار الأجنبي وذلك حسب ما يتوافق مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية(W.T.O.) والقواعد التي وافقت المملكة العربية السعودية بالتقيد بها بموجب الاتفاقيات الثنائية والمتعددة التي تم إبرامها والقائمة التي تم الالتزام بها مما يرتب فتح مجالات إضافية للمستثمرين الأجانب ومزاحمة رجال الأعمال أو مستثمري الداخل والذين كانت هذه الأنشطة حكراً عليهم. إلا أن مسألة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لا بد أن تجد الوعي اللازم من كافة المستثمرين صغاراً كانوا أم كباراً، حيث إنها تؤثر في كافة القطاعات الاستثمارية بمختلف أنواعها (صناعية، تجارية، خدمية) وحتى يستطيع المستثمرون الوقوف في وجه الغزو المحتمل من مختلف القطاعات والمنافسة الشديدة فلا بد من توفير ما يجنبهم الوقوف موقف الطرف الضعيف، ولا يتأتى ذلك إلا ببناء قاعدة صلبة يستطيعون من خلالها الوقوف بصلابة وكمنافسين أقوياء للسلع المنافسة، فالجودة حتمية لبناء الأساس السليم والمنافسة، ومحاولة تقليل تكلفة الإنتاج حتى يتم طرح المنتجات بأسعار منافسة إلى حدٍ ما، والأهم هو الاستعداد بتوسيع رأس المال حيث لا يستطيع رأس المال الضعيف المنافسة لمدة طويلة ويأتي ذلك بالاندماجات النظامية للشركات والمؤسسات، وتأسيس الكيانات الضخمة التي يمكن من خلالها تحقيق نجاحات كبيرة وإيجاد قاعدة ثابتة وأساس متين تعمل على المنافسة القوية والحضور الفاعل وسط المنافسين الذين يريد كل منهم الهيمنة على السوق والتحكم في تعاملاته بالسياسات التي تحقق لهم أكبر فائدة ممكنة. من جهةٍ أخرى فإنه من أهم المبادئ التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية مبدأ المعاملة الوطنية حيث تنص المادة (3) من الاتفاقية العامة على: «لا يحق لأية دولة عضو أن تميز سواء من حيث فرض الضرائب المحلية أو من حيث غيرها من الإجراءات المحلية بين السلع المستوردة وتلك المنتجة محلياً......». وهذا النص يحتم على الدول الأعضاء عدم ترتيب الدعم على السلع المحلية لأنها بذلك تفرق بينها وبين السلع المستوردة وتميزها عليها الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض سعر السلع الوطنية وارتفاع أسعار السلع المستوردة مما يعد إخلالاً بمبدأ المعاملة الوطنية الذي يعد من أساس المنافسة الحرة بين السلع، ولا بد من زيادة قدرة السلع المدعومة التنافسية بإيجاد حلول تقلل تكلفة الإنتاج وتزيد من الجودة بما يعوض الدعم الذي كان يميزها سابقاً، والعمل على تطوير وتحسين هذه المنتجات والسلع من أجل البقاء. ٭ المحامي والمستشار القانوني