طوال مسيرتي الصحفية - أو بالأحرى الكتابية - أي منذ انشغالي بالهمّ الكتابي الذي يلامس هموم الناس قلما رددت على رسائل القراء وذلك ليس ترفعاً أو تجاهلاً أو إهمالاً وإنما لأنني أوقن من (القلب) لا العقل بأن تلك الرسائل بمثابة (القناديل) التي أسير على هداها في ليل الحياة وأنا أسلك دربي للوصول إلى الحقيقة تلك الحقيقة التي لن يبلغها أحد كما يقول (هنري ميللر) إلا عند مواجهته للموت وبالطبع حينما تكون تلك الرسائل - الآراء - بمثابة القناديل - للسائر في درب الحياة فإنه ليس بمقدوره معانقة تلك القناديل!! ولكنه يعانقها من خلال الروح - إذ لولا تلك الإضاءات الرائعة لما عرف الكاتب قيمته ولا قيمة ما يكتب وإلا ما عليه إذا كان لديه أدنى حس - أن يطوّح القلم ويستعمل وسيلة أخرى للتعبير. أنا أحب قرائي وأعرفهم جيداً مثلما أعرف أولادي وأسرتي وأصدقائي واحبتي وأضمّهم في الذاكرة جيداً ولا أتذكر انني نسيت واحداً منهم طوال هذه المسيرة التي امتدت إلى ثلاثة عقود تنقلت خلالها من مطبوعة إلى مطبوعة، ومن جريدة إلى مجلة، ومن بلد إلى بلد، أي انني آخذ ما يكتبونه لي (بعين الاعتبار) التي أرى فيها(!!) أما عدم ردي عليهم سواء من خلال الرسائل أو (الإيميل) أو (منتدى الكتاب) فلأنني اؤمن جيداً بأن النص حينما يغادر الكاتب لم يعد ملكاً له بل للقراء اتكاءً على نظرية (موت المؤلف)، لذلك فإن للقارئ الحق في قبوله أو رفضه أو التعليق عليه دون أن يحق للكاتب أن يرد على القارئ لأنه قد أعطى رأيه ومضى - أو مات نقدياً - ويبقى النص هو المعبر الشاهد على فكر الكاتب - أو المؤلف أي أنني أستهجن كثيراً ردود بعض الكتاب على قرائهم بعد أن نشروا نصوصهم بملء إرادتهم وقناعاتهم وحينما لا تجد قبولاً يحاولون تبرير هذا القصور في الايصال بنص مغاير قد يختلف كلياً عن النص الأصلي. ومن هنا فإنني أقدر كثيراً وانحني إجلالاً واحفظ عن ظهر قلب كل رد يأتيني من القراء بل وآخذ به واعتبره قنديلاً يضيء لي في الكتابة المقبلة وإن لم أرد عليه.