بعض المدن لها روح وذاكرة، وبعضها مجرد جثث من الصبات الخرسانية.. بعضها يقترب من نفسك حتى تكاد لا تعرف هل اقتربت من مدينة أم اقتربت من حسناء.. فيما بعضها الآخر لا تقترب منها إلا وأنت تتمنى أن تبتعد عنها على الفور! بعضها تستطيع أن توشوش في أذنيك كل القصائد العذبة التي مرت على أسماعها في تاريخها منذ أن تتذكر اسمها فقط، وبعضها تفشل في أن تطلعك على أمسها القريب حتى ولو كنت تقف معها على رف مكتبة أو في خزانة متحف! مدينة (عنيزة) نموذج جميل لذلك ال(بعض) الأول.. تخرج من بين تلال الرمل كزمردة نسيها البحر فاختلستها رمال الشاطئ لتزين بها جيدها.. تصطحبك قبل أن تصطحبها.. حتى تبلغ وجدانك بكل بياضها الذي يتحول إلى موجة من البسمات الصافية على وجوه أبنائها.. تشعر أنها تدنو منك.. تدنو منك.. تدنو منك حتى لا يتبقى ثمة متسع لالتصاقها غير شغاف قلبك! لها هالة من النور.. تظل تشتعل بوعي أبنائها وفيهم الشعراء والمفكرون والكتاب والمبدعون ورجال الأعمال ورجال الدولة.. ممن يحملونها معهم أينما عبروا.. وقد يكون هذا النور هو ما وجده الريحاني في خزائن مكتباتها حينما قرر أن يهبها اسمها الرديف!. ولأن منظومة الخصال الرائعة لابد وأن تنتظم لمدينة هكذا.. تماماً كحبات المسبحة.. فقد حرصت عنيزة أواخر الأسبوع الماضي أن تتنفس وفاءً لرجل أشرعت له كل أبواب ذاكرتها.. منذ أن وهبها هو بدوره نبض قلبه، وعرق جبينه ليصنع لها منهما عقداً من اللؤلؤ.. ها هي الآن تعلقه بكثير من الفخار على جيدها وعلى قامة وفاء أبنائها الفارعة.. حينما احتفلت بتكريم محافظها السابق اللواء طيار (عبدالله بن يحيى السليم) وهو يودع العمل الرسمي.. بعد أن أنجز لمدينته وعن طريق ما سمي ب(الإدارة بالحب) ما هو جدير بأن يخلد اسمه في ذاكرتها التي لا تخطئ النابهين.. الذاهبين بمطامحهم كلها نحو مديات وطنية خالصة.. لا مكان فيها للمطامح الخاصة أو المصالح الذاتية. أعتقد أن الشمس لم تختف عن عنيزة ذلك المساء.. فقد ظلت تشرق بالوفاء في وجوه كل المحتفلين.. في مركز صالح بن صالح الثقافي الذي شهد وبرعاية كريمة من سمو أمير المنطقة تلك الاحتفالية التي تمازجت فيها كل المشاعر.. باتجاه غرض واحد هو (عنيزة) التي لم تعد مجرد مدينة قدر ما تحولت بفعل ذلك العشق التليد إلى قصيدة عذبة على ألسنة كل المتحدثين والعاملين في تلك التظاهرة ابتداء من المحافظ الجديد.. الشاب الخلوق مساعد بن يحيى السليم وكافة زملائه وفي مقدمتهم الأستاذ: مساعد بن عبدالله السناني الذي أعد الكتاب التوثيقي لهذه المناسبة.. وأعضاء اللجنة المنظمة الذين تواطأوا (على حد تعبير صديقي اللدود عبدالله الكعيد) مع مدينتهم لإشعال قناديل الوفاء في أفيائها. إجمالاً هي ليست أكثر من تحية صغيرة لجزء يستحق أنبل التحايا من الجميع، حتى وإن بدت كرش العطر في مملكة الكالونيا!!. ٭٭ للشاعر عبدالعزيز بن عبدالله السناني: سولف معي عن ليل ربع الخريزه وانا بسولف عن هوى المسهرية عطني علوم بالحياله عزيزه يوم المسوكف به سوالف طرية سولف أحب بها السوالف عنيزه كنك بهرجك شايلٍ سامرية