من المؤسف حقاً وبما فيه الكفاية رؤية الكيفية التي دمرت بها إدارة الرئيس بوش موقفها الأخلاقي من خلال اضطرار وزيرة الخارجية كونداليزا رايس نفي أن يكون الرئيس قد تغاضى عن عمليات تعذيب وذلك قبل أن تتمكن من زيارة بعض اقرب واكثر الحلفاء الأمريكيين في أوروبا اعتمادا عليهم بل والأكثر سوءا وأسفا إنها واجهت صعوبة في إظهار مصداقية قولها عندما فعلت ذلك. وبالطبع فان ما قالته رايس كان سيكون شيئا مساعدا إذا كانت بالفعل في موقف يمكنها فيه إقناع العالم بان الولاياتالمتحدة لم ولن تعذب سجناء غير ان هنالك أدلة كثيرة للغاية تفيد بان ذلك قد حدث بالفعل على أيدي محققين أمريكيين أو على أيدي وكلائهم في دول أخرى. ولا يزال نائب الرئيس ديك تشيني يحشد التأييد لجعل التعذيب قانونيا في سجون سرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ولعرقلة قانون يعيد فرض معيار معاملة كريمة عمرها عقدان من الزمن هجرها الرئيس بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر. وتعترض حقائق مزعجة طريق رسالة رايس وبالأمس قالت مستشارة ألمانياالجديدة انغيلا ميركيل بان رايس اعترفت على نحو غير علني بأنه ما كان ينبغي على الولاياتالمتحدة خطف المواطن الألماني خالد المصري والذي يقول بأنه أرسل إلى أفغانستان حيث تعرض لسوء معاملة لمدة خمسة اشهر قبل أن يدرك الأمريكيون بأنه ليس الشخص المعني ومن ثم أطلقوا سراحه. وحاول خالد المصري الظهور أمس أمام مؤتمر صحفي في واشنطن لمناقشة دعوى قضائية رفعت في فيرجينيا لصالحه من قبل اتحاد الحريات المدنية الأمريكي وهي قضية تتهم القيام بعملية سجن وتعذيب خاطئة غير أن الولاياتالمتحدة لم تسمح له بدخول البلاد. وفيما يتعلق بقضية التسليم الاستثنائي لمشتبه فيهم إلى دول أخرى فانه عندما تلقي الحكومة القبض على شخص يشكل خطورة حقيقية مثل زعيم إرهابي ولايمكن محاكمته بموجب قوانين نفس الحكومة فإنها ترسله إلى دولة أخرى تكون السلطات فيها راغبة في توجيه اتهام إليه أو تجد طريقة على الأقل لسجنه بدون اتهام. وهذه الممارسة مستمرة من وقت لاخر وبطريقة انتقائية منذ عقود غير انه تردد بان الولاياتالمتحدة صعدت منها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وانتهكت القانون من خلال إرسالها مشتبه فيهم إلى أماكن تعرف جيدا بأنهم سيتعرضون فيها إلى تعذيب وقد أعربت حكومات أوروبية مؤخرا عن سخطها بشأن تقارير مفادها ان بعض المعتقلين محتجزون في سجون سرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أوروبا. ولن تعلق رايس مثل غيرها من المسؤولين الأمريكيين على هذه التقارير ولكنها قبل مغادرتها واشنطن يوم الاثنين قرأت بيانا يشير ضمنيا إلى انه إذا كانت هناك أي سجون سرية فان الدول المستضيفة لها كانت عالمة بها بل وان رايس حذرت على نحو فظ بان الدول الأوروبية التي ترغب في معلومات مخابرات أمريكية من الأفضل لها عدم خيانة أي أسرار. وبكل تأكيد فان بعض الصدمة الأوروبية لأخبار معسكرات وكالة المخابرات المركزية عبارة عن رسالة سياسية موجهة إلى رأي عام أوروبي واسع النطاق مناهض للأمريكيين. وقالت رايس يوم الاثنين بان ممارسة تسليم المشتبه فيهم إلى دول أخرى قد استخدمت لسجن بعض الأشخاص الخطرين والأشرار مثل كارلوس ورمزي يوسف اللذين كانا العقل المدبر لتفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993 غير أن هذين الرجلين كانا قد اتهما أمام محكمة وخضعا لمحاكمة وادينا وصدر حكم ضدهما وهذا ما يفكر فيه معظم الأمريكيين عندما يسمعون عن جلب إرهابيين للعدالة وليست القيام بعمليات اختطاف في جنح الظلام وربط أعين سجناء خلال رحلات جوية وسنوات من التعذيب في مناطق بعيدة بدون محاسبة. ٭ (خدمة نيويورك تايمز خاص ب «الرياض»)