الرجل الذي يسهر على حراسة انقاض مصنع الشفا للأدوية بالمنطقة الصناعية بمدينة الخرطوم بحري بالسودان لا يحول بين الزائرين والوقوف على حجم الضرر والدمار الذي لحق بهذه المنشأة الطبية السودانية. بل يقوم بالعكس فهو لا يتوانى عن فتح بوابة المصنع أمام الزوار ودعوتهم للدخول ولا يتردد في اصطحابهم في جولة وسط أنقاض المصنع الذي دمرته صواريخ كروز الأمريكية في عام 1998 عقب الهجمات الإرهابية ضد سفارات الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا. ويتعامل الحارس جدي محمد بحزم مع أولئك الذين لا يتورعون عن نهب حطام المصنع وبيعه كخردة. ولا يجرؤ أحد من الذين يعيشون حول مصنع الشفا اخذ قطعة واحدة من ركام المصنع حيث يكون جدي محمد حاضراً لمطاردتهم وضربهم بعصاه. وترغب الحكومة السودانية في الإبقاء على مصنع الشفا الذي أصابه 13 صاروخاً من طراز كروز مساء العشرين من أغسطس لعام 1998 على حالته الراهنة ليذكرهم ويقف شاهداً على سوء معاملة اكبر قوة في العالم للسودانيين. وقال الطيب حاج عطية مدير معهد دراسات السلام بجامعة الخرطوم بأن الحكومة تريد الاحتفاظ بأطلال المصنع كتذكار حيث انه ما يزال يمثل شوكة في خاصرة العلاقات السودانية-الأمريكية. وقد اقر المسئولون الأمريكيون بعد سنوات من الحادثة بان الأدلة التي دفعت الرئيس بيل كلينتون لضرب المصنع لم تكن مؤكدة كما صورت في أول مرة. وفي الحقيقة قال المسئولون في وقت لاحق بأنه لا يوجد دليل على قيام المصنع بإنتاج وتخزين غاز الأعصاب كما كان يشتبه الأمريكيون في البداية أو أن للمصنع صلة بأسامة بن لادن الذي أقام في الخرطوم خلال الثمانينات. ولكن واشنطن لم تستبعد بعد إمكانية وجود صلة بين مصنع الشفا وإنتاج الأسلحة الكيميائية. ولهذا لم تقدم الحكومة الأمريكية اعتذاراً ولا تعويضاً لاصحاب المصنع بالرغم من المطالبات التي تقدمت بها الحكومة السودانية حتى بعد مرور سبع سنوات على الحادث الذي اضاء سماء الخرطوم في تلك الليلة المظلمة. وفي الذكرى الأخيرة لقصف مصنع الشفا كررت السلطات السودانية نداءها للأمم المتحدة بإجراء تحقيق في حادث العدوان الأمريكي على المصنع الذي كان يمد سكان البلاد بحاجتهم من الأدوية الأساسية كما هو الحال بالنسبة للحيوانات عند تدميره. وقد أثار وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل السابق القضية خلال اجتماعات الأممالمتحدة الشهر الماضي موضحاً بان القصف قد استهدف جهود التنمية في بلاده وحرم مواطنيه من الأدوية الأساسية. وأضاف مصطفى « اليوم ومن هذا المنبر نكرر دعوتنا للأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات العادلة واللازمة في إطار القانون الدولي ونناشد المجتمع الدولي بأسره دعم هذا المطلب الشرعي العادل». ولكن كما حدث في السنوات الماضية لم تلق القضية ما تستحقه من اهتمام بسبب معارضة الولاياتالمتحدة. وما تزال وزارة الخارجية الأمريكية تصنف السودان كواحدة من الدول الداعمة للإرهاب بالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها السودانيون من اجل رفع اسم بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب واتهمت واشنطنالخرطوم بإذكاء نار الحرب الأهلية في دارفور واستهداف المدنيين. وقال مالك المصنع صلاح إدريس بأنه يتطلع للقاء بالرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون يوما ما حول كأس شاي لمناقشة قضية مصنع الشفا معه. وهنالك شخص آخر خارج بوابة المصنع يتطلع لليوم الذي يلتقي فيه بالرئيس كلينتون حيث يقول احمد العامل السابق بالمصنع» عندما يهاجمك شخص في دارك، ماذا تسميه؟ هل هو عدو أم صديق؟». ٭ (نيو يورك تايمز خاص ب «الرياض»)