ظلت العلاقات العربية مع الغرب، الأساس في التطورات السلبية والإيجابية، لأنه القوة المنفردة في العالم تقنياً واقتصادياً، وأمنياً، لكن دخول الشرق ميدان المنافسة أعطى اتجاهاً مغايراً، وصار الانفتاح عليه ضرورة أساسية، ليس لأن التاريخ مع تلك الشعوب، والأمم بلا صراعات استعمارية أو أيدلوجية، وإنما لأنه مصدر القوة الجديد، والقادم بشكل متسارع.. كوريا الجنوبية بحسابات اليوم، تضاهي إيطالياً، مثلاً واليابان يأتي ترتيبها الثاني من حيث النفوذ الاقتصادي، والصين المنافس القادم الذي قد يجعلها الطرف المعادل بكل مصادر القوة، مما يعطينا حقيقة الدور القادم لهذه الدول.. في الدوران الجديد بانتقال المنافسة بين الشرق والغرب والاعتبارات التي تضع آسيا العمق الهائل جغرافياً، واقتصادياً، علينا أن لا نقف مع الجانب الواحد، طالما نملك تنويع علاقاتنا، ولعل الزيارات المتبادلة بين رجال الاقتصاد، والقنوات الحكومية المفتوحة بيننا وبين دول آسيا الرئيسية تجعلنا ملزمين وفق دوائر مصالحنا، أن نبحث عن شراكات متعددة في مختلف النشاطات، ولعل زيارة رئيس وزراء كوريا الجنوبية لدول الخليج، تذكرنا بمساهماتها في إنشاء البنية الأساسية في المملكة، رغم الحملة الهائلة من الدول الغربية التي كانت تسعى لأن تكون كعكة الخليج لا تصل إلا لأفواهها وحدها، وحتى إن التشكيك بأن الكوريين جاءوا محتلين، وليسوا عاملين في بناء المنشآت الكبيرة، كان طوراً ساذجاً في تركيب الإشاعات التي لم تصدقها المملكة، ولعل تلك التجربة التي جاءت غنية، وفاتحة لأبواب ظلت مغلقة، تعطينا التصور بأن لآسيا دوراً قادماً، لا يقتصر على استهلاك النفط، أو استيراد السلع الإلكترونية، أو السيارات، طالما هناك رغبات مشتركة تفرض على كل الأطراف التعاون بإيجابية في تنويع مصادر الدخل وتطوير مختلف البنى، في تجربة تساعدنا جميعاً على تحقيق أعلى درجات التعاون.. هذا المنطق لا يخرجنا من مبدأ العلاقات التاريخية مع الغرب، ولكن إذا كانت المنافسات تتسع لأكثر من لاعب في السوق العالمي، فإن الخيارات تصبح متعددة، وكبيرة، والغرب نفسه أخذ بهذا الهدف حين أصبح الشريك الأساسي للدول الآسيوية، رغم الحرب السرية التي جرت بينهما في محاولة إعاقة دول الشرق أن تُحدث تغييراً في مسارات القوة الاقتصادية في العالم.. مصلحتنا أولاً، وهو سلوك طبيعي، ولذلك نرحب بأي بادرة تعاون مع أي نظام عالمي إذا كان يحقق لنا ما نريد وبدون فوقية أو تعالٍ تفرضهما كبرياء كاذبة..