الأهمية الاقتصادية المتزايدة للهند والصين تمثل فرصاً هائلة لدول المنطقة لم يكن غريباً خلال منتدى دافوس الاقتصادي السنوي الأخير في سويسرا، أن يخرج عدد كبير من رجال الاعمال والسياسة في العالم والشركات التجارية الكبرى بإجماع على أن القوة الاقتصادية انتقلت من الدول المتقدمة إلى دول آسيا في الوقت الذي يتعافي فيه الاقتصاد العالمي بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً.
فهؤلاء رأوا أن أمريكا القوية عسكريا وسياسيا والمهيمنة تاريخيا، باتت تترنح اقتصاديا بشكل يهدد مستقبلها كدولة عظمى. ويشير هؤلاء إلى حقيقة أن الولاياتالمتحدة هي دولة مثقلة بالديون، وأن هناك مخاوف حقيقية بأن حجم الديون الأمريكية الذي يزداد يوماً بعد يوم دون وجود أية مؤشرات على تراجعه، سيوصل الولاياتالمتحدة في مرحلة ما على الأرجح أنها قريبة، إلى مرحلة الانهيار من خلال الإعلان عن عجزها عن تسديد هذه الديون. ويرى محللون أنه في الوقت الذي تعلن فيه الولاياتالمتحدة عجزها عن سداد ديونها التي تقدر ب 14 تريليون دولار، ستبدأ مرحلة الانحدار الحقيقي في موقع أمريكا، وستتقدم دول أخرى لأخذ زمام المبادرة في قيادة العالم.
فوفقا لآخر بيان لوزارة الخزينة الأمريكية، اقترب الدين الأمريكي للمرة الأولى من الحد الأقصى القانوني، إذ فاق 14 تريليون دولار. وبلغ حجم الدين 14.001 تريليون دولار، ما يعني أنه يقل عن السقف المحدد والبالغ 14.294 تريليون دولار بنحو 300 مليار دولار فقط، وهو السقف الذي يعني مقدار ما يمكن للحكومة الفيدرالية الذي يمكن للحكومة أن تقترضه بصورة قانونية.
اتركوها نائمة
وهنا يشير هؤلاء إلى أن قارة أوربا، التي تتطلع للحلول محل أمريكا في قيادة العالم، والتي يرشحها بعض المحللين لهذا الدور، تفتقد في الواقع إلى عناصر القوة الاقتصادية التي تؤهلها لمثل هذا الدور.
فالوحدة الأوربية (الاتحاد الأوروبي الذي يضم 26 دولة) والذي ينوي ضم أعضاء جدداً قريباً، وهي الوحدة التي تراهن عليها أوربا في العبور إلى الزعامة العالمية هي اليوم موضع شك. ويقول هؤلاء أن لدى أوروبا العديد من المشاكل التي تنخر عظامها ( مشكلة ديون اليونان وإيرلندا وأسبانيا والبرتغال) ويشيرون أيضا إلى أن ألمانيا قد لا تستطيع مواصلة دورها في إنقاذ أوربا من ديونها، وأنها ستتخلى عن هذا الدور، وهو ما لوحت به بالفعل مما سيؤدي إلى انفراط عقد الوحدة الأوروبية.
ذات مرة قال القائد الفرنسي نابليون بونابرت «دعوا الصين نائمة، لأنها عندما تستيقظ فسوف تهز العالم». ولعل الغرب لم يستمع لنصيحة نابليون، فالصين تسجل صباح كل يوم موقعا متقدما في مختلف المجالات، وحتى لو تم افتراض بقاء أمريكا وأوربا في موقع القيادة العالمية أو حتى الصدارة العالمية، فان ما هو مؤكد هو أنه سيكون هناك من سيشاركهما في هذه الزعامة، والشركاء الجدد هم 3 دول أسيوية هي الصين والهند واليابان.
القارة الأكبر
فقد استطاعت الصين أن تزيح اليابان كما أزاحت من قبل ألمانيا وبريطانيا في طريق تقدمها لتحتل وبجدارة موقع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لدرجة أن أمريكا تسعى اليوم لاسترضاء الصين وتتودد لها لتعدل من قيمة عملتها، نظراً لكونها أكبر دولة دائنة لأمريكا، وأكبر مستثمر أجنبي فيها، وهي أيضاً أكبر دولة مصدرة لها.
ويقول الدكتور هاشم عبد الله الصالح، «أن السؤال المهم هو ما الذي سيكون عليه دور آسيا، في المستقبل في ظل تنامي قوة كل من الصين والهند واليابان اقتصادياً. فأسيا هي أكبر قارات العالم مساحة، وأكثرها اكتظاظا بالسكان، وأغناها في مصادر الطاقة، وأشدها تنوعا في التضاريس والظروف المناخية. وإذا أضيف إلى كل ذلك العمق التاريخي والحضاري، فأن أسيا تملك كل ما يؤهلها ليسلم لها العالم زمام القيادة في المستقبل».
وبالفعل فقد ذكر بنك التنمية الآسيوي في تقرير أصدره أخيراً أن قارة آسيا ستحظى بنصف ناتج التجارة العالمية والاستثمار بحلول عام 2050 في حال استمرارها في الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي الحالي. وقارن تقرير بنك التنمية الآسيوي الذي صدر بعنوان (آسيا 2050.. إدراكا للقرن الآسيوي) الذي كشف عنه في الاجتماع السنوي ال 44 للبنك في هانوي، النتائج المحتملة في ظل السيناريوهين المتنافسين.
سيناريو متفائل
وأوضح البنك في تقريره أنه في إطار السيناريو الأكثر تفاؤلا فإن الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة سيرتفع ليصل إلى 148 تريليون دولار، وستمثل بذلك نسبة 51 في المائة من الإنتاج العالمي، مقارنة بالنسبة الحالية وهي 27 في المائة. وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في آسيا سيرتفع ليصل إلى 38.6 دولار، مقارنة بالمتوسط العالمي المتوقع لعام 2050 وهو 36.6 دولار.
وذكر البنك الذي يتخذ من مانيلا عاصمة الفلبين مقرا له، أن 3 مليارات مواطن آسيوي سيتمتعون بارتفاع مستويات المعيشة بحلول منتصف القرن الحالي ولتحقيق ذلك يتعين على آسيا معالجة تحديات ومخاطر هائلة بين الأجيال. وبمقتضى السيناريو الأخير ستقع اقتصادات آسيا الأسرع نمواً والمتمثلة في الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام في ''مصيدة الدخل المتوسط'' ومعدل النمو المتباطئ ومستويات الدخل الراكدة خلال السنوات ال 5 إلى ال 10 المقبلة. ولن تستطيع اقتصادات آسيا بطيئة النمو أن تسرّع معدل نموها في معطيات هذا السيناريو. وفي حال حدوث ذلك ستمثل آسيا 32 في المائة أي ما يقارب 61 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2050.
وقال رئيس البنك هاروهيكو كورودا في العاصمة الفيتنامية ''إن الفرق بين السيناريوهين هو النتائج، ولذلك تعد التكلفة المحتملة لعدم تحقيق سيناريو القرن الآسيوي ضخمة لاسيما من الجانب الإنساني''. وأضاف ''يتعين على القادة الآسيويين أن يدركوا أن الازدهار المقبل سيتحقق بالطريقة نفسها التي نجحت بها الاقتصادات المتقدمة''. يذكر أن بنك التنمية الآسيوي الذي تأسس في عام 1966 يعد مؤسسة تمويل تنمية متعددة الأطراف تسعى للحد من الفقر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويملكه الآن 67 عضوا معظمهم من منطقة آسيا، إضافة إلى الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدةوألمانيا.
استثمار في البشر
ودعا بنك التنمية الآسيوي دول آسيا إلى الاستثمار في مواطنيها لضمان تحقيق أقصى نمو اقتصادي ممكن. وقال المدير الإداري العام للبنك إن تمكين سكان آسيا من خلال توفير التعليم والرعاية الصحية المناسبة لهم سوف يسمح لدول المنطقة بالازدهار خلال ما سماه «القرن الآسيوي».
وقال راتاج إم ناج، المدير الإداري العام للبنك إن المقصود ليس التمكين السياسي في هذا السياق، وإنما التمكين للمواطنين الآسيويين حتى يكونوا قادرين على المنافسة في سوق وظائف عالمية. وأضاف أنه بدون مثل هذه الإجراءات تواجه الأمم الآسيوية خطر السقوط في مشكلة اقتصادية معروفة للكثير من الدول التي تشهد تحولاً اقتصاديا تعرف باسم «فخ الدخل المتوسط». وأضاف أنه مع هذا السيناريو سوف تصبح الدول الفقيرة أقل فقراً من خلال بيع قوة العمل الرخيصة نسبيا لديها، لكن العمال لن يستفيدوا من الثروة المتزايدة في بلادهم لأنهم يعملون في وظائف منخفضة الأجر. ولتفادي هذا السيناريو يجب على حكومات دول آسيا الاستثمار بصورة أكبر في خدمات التعليم والصحة من أجل الوصول إلى القرن الآسيوي بحلول 2050، بحسب تقرير للبنك.
نجاح الماضي
ولم يقدم ناج، أي سياسات محددة لتحقيق هذا الهدف تاركا لكل دولة تحديد الموقف الخاص بها. ويرى تقرير البنك أنه إذا طبقت الحكومات الآسيوية السياسات الصحيحة في هذا السياق، فإن المنطقة يمكن أن تمدد «نجاحها الماضي إلى المستقبل» وكذلك يمكن أن تزيد إجمالي الناتج المحلي لديها من 16 تريليون دولار عام 2010 إلى 148 تريليون دولار عام 2050 بما يعادل نصف إجمالي الناتج المحلي للعالم.
وفي هذه الحالة ستخرج كل شعوب المنطقة من دائرة الفقرة التي تضم من لا يزيد دخله عن ألف دولار سنوياً. ويشير التقرير إلى أن الصين والهند وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند، تسجل معدلات نمو اقتصادي عالية منذ 1990 لكنها تواجه خطر السقوط في فخ الدخل المتوسط خلال 40 عاماً المقبلة إذا لم تتخذ الخطوات اللازمة لتفادي هذا الفخ.
15.5 تريليون دولار
وخلال الأسبوع الماضي ارتفعت أصول المؤسسات المالية المصرفية في الصين بنسبة 9 .18 % عن العام الماضي لتصل إلى 2 .101 تريليون يوان (نحو 57 .15 تريليون دولار) بنهاية آذار/مارس الماضي.
وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة أن القيمة الإجمالية للخصوم بالصناعة المصرفية للبلاد بلغت 95 تريليون يوان في نهاية مارس/آذار بزيادة نسبتها 2 .18 % عن عام 2010 . وبنهاية مارس/آذار زادت أصول البنوك التجارية الكبيرة بنسبة 8 .13% على أساس سنوي لتصل إلى 8 .49 تريليون يوان، في الوقت الذي زادت فيه أصول بنوك المساهمة بنسبة 2 .25 % لتصل إلى 9 .15 تريليون يوان . وارتفعت خصوم البنوك التجارية الكبيرة بنسبة 9 .12 % عن العام الماضي لتصل إلى 7 .46 تريليون يوان.
الاستثمارات الخليجية تتجه شرقاً
وقد ارتفعت حصة الأسواق الناشئة من تجارة دول مجلس التعاون الخليجي من 15 % في 1980 ووصلت إلى 45 % بحلول عام 2009 وأخذت هذه الحصة في التزايد بمعدل 11 % سنوياً بين العامين 1980 و2009 مقارنة بمعدل تزايد بلغ 5 % في حصة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من التجارة مع الدول الخليجية.
واستناداً إلى تقرير «التيارات التجارية والاستثمارية في دول مجلس التعاون الخليجي» الصادر عن وحدة إيكونوميست للمعلومات، فان الأسواق الناشئة ستدفع الازدهار العالمي في الأعوام القادمة، ويتوقع أن يكون مصدر ثلثي النمو الاقتصادي في العالم، هو الأسواق الناشئة خلال ال 5 أعوام القادمة، وهو ما يعني أن الأسواق الناشئة ستستحوذ في العام 2015 على 41 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنة بما يقدر بنسبة 31 % في عام 2011.
وأضاف التقرير أن الأهمية الاقتصادية المتزايدة للهند والصين، ونشأة الاقتصاد في دول جنوب الصحراء الأفريقية تمثل فرصاً هائلة لدول مجلس التعاون الخليجي. وتلجأ الشركات متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط إلى استخدام دول مجلس التعاون الخليجي كمركز لإدارة عملياتها الإقليمية، ولكن تمتلك دول مجلس التعاون أيضاً فرصة التطور لتكون مركزاً لتوسيع عمليات تلك الشركات في أفريقيا وجنوب اَسيا. غير أن دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه منافسة من محاور نظيرة وسيتوجب عليها الاستمرار في التطور لتحافظ على أفضليتها التنافسية. كما أن هناك حاجة لتقوية سوق القوى العاملة، بما في ذلك المهارات المحلية والقوانين التنظيمية.
كما أن آسيا ستكون أهم إقليم للأسواق الناشئة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لسبب يتعلق جزئياً بزيادة الطلب على النفط. وستؤدي زيادة الاستهلاك المحلي في آسيا، مدفوعة من الطبقة الوسطى المتزايدة، إلى نشوء مجموعة من الفرص التجارية الجديدة. وقد بدأت السياحة، التي تعتبر إحدى نقاط القوة التنافسية لدول مجلس التعاون الخليجي، بالاستفادة بالفعل من ازدياد الطبقة الوسطى في الصين.
ومن المتوقع أن تكون الصين الشريك الاقتصادي الأهم لدول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2020 على الرغم من تعزيز الأصر التاريخية والثقافية التي تربط المنطقة مع الهند بشكل جيد أيضاً. ومع ذلك، ستبقى أهمية كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والهند كمزودين للتكنولوجيا والمعرفة لدول مجلس التعاون الخليجي. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي رؤوس أموال وفيرة. وعموماً فإن السبب الرئيسي لاجتذابها استثمارات أجنبية مباشرة هو التبادل التكنولوجي المرتبط معها.
وفي اَسيا وأجزاء من الشرق الأوسط، ستستثمر دول مجلس التعاون الخليجي بقوة نحو تطوير البنى التحتية. وتمثل الزيادة في عدد السكان والنقص في رؤوس الأموال في آسيا فرصاً مثالية لدول مجلس التعاون الخليجي لسد الثغرة.
التجارة مع إفريقيا ستركز على الزراعة: بما أن أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي تستورد الجزء الأضخم من احتياجاتها الغذائية، فإن وفرة الأراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا توفر فرصاً لدول مجلس التعاون الخليجي لوضع خطط لتأمين الغذاء من خلال استغلال الأراضي المكتسبة والمخصصة لتصدير منتجاتها الزراعية . لكن يتوجب على مستثمري دول مجلس التعاون الخليجي التنبه إلى المخاطر القانونية والسياسية في هذه المنطقة.
كما أن معظم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي ستركز على مجالات ذات قوة تنافسية مجربة ومختبرة، وبشكل رئيسي في قطاعات وصناعات الطاقة والخدمات كإدارة الموانئ والسياحة وبيع التجزئة والخدمات المالية (خاصة التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية) والاتصالات . وستتوجه الاستثمارات المالية كذلك إلى الزراعة والمعادن والعقارات في الأسواق الناشئة على نطاق واسع. وستوفر صناعات السياحة والاتصالات، بالإضافة إلى قطاع الإسكان، فرصاً جذابة لدول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار في آسيا والشرق الأوسط.