حملته في جعبتها من أقصى الدنيا كتذكار جميل من رحلتها تلك، عبرت به كل محطات المرور وتجاوزت به كل إجراءات التفتيش. حملته بقوة لو استطاعت لضمته بين جوانحها ولكن هيهات، على الاقل ليست تطمع كثيراً فقط كان يكفيها أن تراه كما انتقته لها سليماً كانت قطعة جميلة شكلها ذلك الحرفي الماهر البارع.. كان نقشاً زجاجياً بديعاً تعلوه رسوم دقيقة لزهور برية صغيرة كانت تحفة فنية بكل ما للكلمة من معنى.. ( انظري إليه آنستي أليس جميلاً؟؟ ونقوش الاسم تبدو جداِ واضحة..؟؟ ناولها إياها.. ضمتها يديها بحنو ودفء استشعرته أناملها حينما أخذت تمررها على حروف الاسم وتتفحصها حرفاً حرفاً.. كانت رقيقة للغاية كقلب من ستهدي إليها... تمنت لحظتها أن تمتلك جناحين وتحلق بهما سريعاً حتى تصل إليها وتجلس بين يديها وتقبل رأسها وتهديها تلك القطعة (انتظري انستي ريثما أغلفها لك بغلاف واق لها). أعادتها تلك الكلمات إلى حيث هي فهي لم تملك الجناحين بعد فضلاِ عن أن تحلق بهما (تفضلي آنستي) وضعتها بكل رفق وحنان في حقيبتها وأغلقتها بهدوء وجيوش عارمة من أحاسيس البهجة والفرح الغامر تكاد تطل من عينيها ها هو رجل الأمن في المطار والمسئول عن التفتيش يأمرها أن تضع حقيبتها على جهاز الكشف كانت لم تفارقها أبداً منذ أن أضحت تلك القطعة داخلها.. كان فراقاً مراً رغم أنه مجرد لحظات ما لبثت أن خرجت من الجهة الأخرى.. الحمد لله ما تزال سليمة لم يتبق سوى تفتيش واحد فقط عبر الرحلة الداخلية وقد مربسلام، ها هي بلدها الحبيب أرض الوطن تصافح عينيها أخيراً بعد ذلك الفراق المختار.. في السيارة تفتح حقيبتها.. تتحسس القطعة بيديها.. ها هو الوقت يتضاءل لتضعها بين كفيها فلم تعد بحاجة إلى الأجنحة.. إنها مجرد لحظات.. ها هي أمام والدتها الغالية.. دموعها تخضب والدتها الفرحة المبتهجة.. كان كل شيء مزدانا بالبهجة والروعة.. ابتسمت لأمها وسحبت تلك القطعة الثمينة.. ولكن للأسف كانت قد أصبحت مجرد شظايا.. اكتحلت أطرافها ببضع قطرات حمراء قانية..