بعدما أصبح التوطين واقعاً ملموساً، بادرت شركات وطنية كبرى إلى أخذ زمام المبادرة من خلال الاستثمار في تدريب وتأهيل موظفيها وذلك بإنشاء أكاديميات ومعاهد تدريب داخلية تتولى من خلالها تأهيل الموظفين وتدريبهم على ممارسة مهن محددة بغية معالجة عدم مواءمة مخرجات التعليم العام لاحتياجات وظائف القطاع الخاص، الأمر الذي يساهم في توفر الموظفين المعدين إعداداً مهنياً لتولي تلك الوظائف. وتستثمر تلك الشركات مبالغ طائلة من أجل إنشاء تلك الأكاديميات والصرف على المدربين والمتدربين، مما يجعلها بفعلها هذا تقود شركات القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية، ويجعلها كذلك شركات رائدة في مجال التوطين، الأمر الذي يساهم في استقرار خططها في مجال السعودة، ويوفر لها فريقاً من الموظفين المؤهلين، كما يوفر لموظفيها المؤهلين مزيداً من الاستقرار في وظائفهم تلك. وتبلغ أهمية هذا التوجه مداها كونها – حسب مختصين – تساهم بشكل مباشر في توفير كوادر مؤهلة ومدربة تدريباً خاصاً بالمهن التي سيمارسونها، مما سيعزز من إنتاجية أولئك الموظفين الذين تلقوا التدريب، كما أن ذلك ينعكس على الاستقرار الوظيفي للموظفين في تلك الشركات. تبني الشركات الكبرى لتدريب موظفيها يساهم في زيادة الإنتاجية ويحد من تسرب الموظفين خدمة مجتمع مبادرة وطنية ايجابية د.إبراهيم السليمان – المتخصص في مجال الموارد البشرية – أكد أن مبادرة الشركات الكبرى إلى تأسيس معاهد داخلية للتدريب المنتهي بالتوظيف تعد مبادرة وطنية ايجابية تحسب لتلك الشركات في برامج المسؤولية الاجتماعية، وقال: تعد هذه المبادرات التي تبنتها شركات وطنية كبرى من الجهود الوطنية التي تحسب لرجال الأعمال وللشركات الوطنية التي مارست وطنيتها بصدق، وعبرت عن رسالتها تجاه وطنها ومجتمعها بمثل هذه المبادرات التي تعد بادرة وطنية تستقطب أبناء البلد، وتدربهم، وتوفر لهم الوظائف المناسبة بعد تأهيلهم التأهيل المناسب للقيام بأعمال الوظائف التي يتم تعيينهم فيها بشكل يمكنهم من إجادة تلك الأعمال. وأضاف د.السليمان: إن ما يميز هذه التجارب أنها تعالج الخلل الذي قد ينتاب مخرجات التعليم وخاصة مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني، حيث إن هذه المعاهد التي تتبناها الشركات تعمل على تخريج وتأهيل موظفين تدربوا على أداء مهن محددة تحتاجها تلك الشركات، مما يعزز موقف الموظف من خلال إجادته للمهنة التي سيعمل بها، وهو أمر يساهم في المواءمة بين المهن المتوفرة في السوق وبين امكانيات ومؤهلات طالبي العمل، وعند الوصول إلى هذه النقطة نستطيع القول ان ذلك يعزز من مسيرة التوطين، ويدفع بها مراحل إلى الأمام، حيث تجد الشركات الموظفين الذين شكلتهم حسب المهن التي لديها، وهو أمر مريح للشركة وللموظف على حد سواء. وشدد د. السليمان على أن أهداف مثل هذه المبادرات المتمثلة في إقامة معاهد خاصة لتدريب وتأهيل السعوديين تبدو سامية خاصة في مسألة عدم الزام المتدربين بالعمل لدى الشركة، وقال: إن بعض الشركات الكبرى بعد ان تدرب وتأهل الشاب تخيره بين العمل لديها أو منحه شهادة التدريب ويبحث عن عمل في مكان آخر، وهذا لا شك يحسب لتلك الشركات، ويضاف إلى رصيدها في برامج المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع، وأضاف: لا شك أن الشركات المبادرة إلى إنشاء مثل هذه المعاهد تستحق الشكر والتقدير، ولكن يجب ألا نغفل أن هذه الشركات تحظى بدعم حكومي في هذا الجانب، وبامتيازات ليس أقلها أن المتدربين من الشباب في تلك المعاهد يحسبون للشركة في سجل التوطين الخاص بها، ولكن هذا لا يقلل من الجهد واستثمار الأموال في تأسيس تلك المعاهد والصرف عليها من أجل تأهيل شباب الوطن للقيام بالأعمال المتوفرة في شركات القطاع الخاص. وبين د.السليمان أن القطاع الخاص بكافة هيئاته في المملكة مقصر في مجال خدمة المجتمع والمسؤولية الاجتماعية، وقال: للأسف الشديد على الرغم من ضخامة وحجم قطاع الأعمال في المملكة بما فيه المصارف والشركات الكبرى، إلا أن مستوى ما تقدمه تلك الشركات في مجال المسؤولية الاجتماعية لا يرقى إلى حجم هذا القطاع الكبير، ومعروف أنه في دول العالم يفرض على الشركات والمؤسسات أن تساهم في خدمة المجتمع من خلال برامج خدمية تساهم في خدمة الناس بأشكال مختلفة، ولا شك أن مبادرة الشركات الكبرى التي أنشأت معاهد غير ربحية لتدريب المواطنين وتأهيلهم للعمل هي مبدرات ايجابية وتصب في خدمة المجتمع. وأكد على أن مبدأ التدريب قبل التوظيف هو أحد روافد نجاح التوطين، وأكد على أن مدى نجاح ذلك يعتمد على مستوى ونوعية مخرجات التدريب العملي الذي يسبق التوظيف، وقال: إن فترة التدريب بحد ذاتها هي كفيلة بأن تبين للشركة مدى جدية الشاب المتدرب، كما أنها في الوقت نفسه عامل مساعد على تسليح الشاب بأدوات التعلم والمعرفة بطبيعة العمل الذي سوف يمارسه، الأمر الذي يفترض أن يساهم في تذليل كثير من الصعوبات التي قد تواجه الموظف في ممارسته الفعلية للوظيفة، وكذلك تمكن الشركة من الحصول على موظف ملم باحتياجات ومتطلبات تلك الوظيفة، وهو أمر كما قلت لصالح الطرفين. تخدم التوطين عبدالله الزهيري – مستثمر في مجال التدريب – أكد أن مبادرة الشركات الكبرى في المملكة إلى تأسيس معاهد خاصة لتدريب وتأهيل المواطنين تعد بادرة وطنية بامتياز، مشيراً إلى أنها تختصر الطريق من أجل تأهيل الموظف السعودي إلى الوظيفة التي سيعين عليها بشكل يمكنه من أداء عمله بشكل أفضل، وقال: إن مثل هذه المبادرات ذات مردود ايجابي على سوق العمل السعودي، فهي تساهم بشكل فاعل في تهيئة الموظفين وتأهيلهم ليصبحوا قادرين على القيام بأعمال محددة تتطلبها طبيعة وظائف تلك الشركات، الأمر الذي يعزز من موقف الشباب من خلال قدرتهم على ممارسة الأعمال المخصصة التي تم تدريبهم عليها، وهو أمر يقود إلى نجاحهم في مسيرتهم الوظيفية، ويحقق رضا الإدارة في تلك الشركات عن أدائهم بعد التدريب اللازم، مما يساهم في خلق علاقة وظيفية متوازمة تتصف بالرضا من قبل الطرفين. وشدد على أهمية الاستثمار في هذا الاتجاه، مبيناً أن مثل هذه التجارب تخدم مشروع التوطين في البلاد، وتغلق ذرائع مختلفة أبرزها أن الشباب العاطلين عن العمل لا يملكون التأهيل ولا التدريب الكافي الذي يناسب احتياجات وظائف القطاع الخاص، وقال: على الرغم من قناعتي التامة أنه ليس هناك تأثير سلبي مباشر لمخرجات التعليم العام التي يتخذها المتهربون من التوطين ذريعة، إلا أن مثل هذه التجارب تقطع الطريق على أولئك المتذرعين بهذه الذريعة، كما أنه من خلال خبرتي الطويلة في هذا المجال يمكنني القول انه مهما كان الموظف المتخرج حديثاً يحمل مؤهلاً علمياً، وحققه بتفوق، إلا أنه لا بديل عن التدريب المتخصص الذي يركز على تأهيل الموظف للقيام بعمل محدد وتدريبه على القيام به بشكل مكثف، مما يجعله قادراً على ممارسته باقتدار كبير. وشدد على أهمية ترسيخ ثقافة العمل كونها رافداً مهماً إلى جانب التدريب والتأهيل، وحافزاً للمضي قدماً في التمسك بالوظيفة بعد الحصول على التدريب والتأهيل اللازمين، وقال: تشكر الشركات الكبرى على مبادراتها في إقامة تلك المعاهد التي ستؤهل الشباب للعمل بشكل مهني، ولكن ترسيخ ثقافة العمل لدينا يجب أن يبدأ من العائلة، ومن المدرسة، وأن نزرع في الشباب أن العمل رسالة، وأن التفاني في العمل هو الطريق إلى النجاح، وهذا سيدعم موقف الشركات التي تتبنى برامج تدريب وتأهيل وتوظيف أبناء الوطن. وأضاف: تعد تجربة تبني الشركات لتدريب وتأهيل السعوديين رافداً مهماً في المضي قدماً بالسعودة، فمن واقع خبرتي في مجال الموارد البشرية أستطيع القول ان التدريب المنتهي بالتوظيف يعد من أفضل الطرق التي تمكن الشباب من الحصول على وظائف وهم معدّون إعداداً جيداً للقيام بتلك الأعمال، وهذا يساهم بشكل مباشر في استقرار الشباب في تلك الوظائف كونهم يتولون تلك الأعمال وقد أُعدوا بشكل مسبق لتبوئها والقيام بها، فمثلاً في اليابان لا يعتمدون على الشهادة والتخصص، إنما يعتمدون على التدريب على رأس العمل والتأهيل للقيام بالوظيفة التي سيعمل بها الموظف، وهذا ينمي لدى الموظف القدرة على القيام بعمله بشكل أفضل، ويجعله يفهم سياسة العمل بها، وبالتالي يحقق نجاحات وإنتاجية ترضى عنها إدارة تلك الشركة، الأمر الذي يعزز من موقف الموظف، ويفتح له أبواب الترقيات والنجاحات والحوافز. دعم التوطين عدنان المزروع -الخبير في مجال الموارد البشرية - أشار إلى أن تبني الشركات الكبرى لتدريب وتأهيل موظفيها من السعوديين يُعد من أهم المشروعات التي تعالج مشكلات وصعوبات التوطين، وأكد أن تلك الشركات التي تتبنى إنشاء معاهد خاصة لتأهيل وتدريب السعوديين ستجني ثمار هذا الاستثمار بشكل سريع، وقال: إن فكرة إنشاء معاهد تدريب داخلية لتأهيل فريق عمل الشركة وتدريبه على طبيعة المهن التي سيمارسها كفيلة بأن تساعد على تخطي العقبات التي تعترض طريق السعودة في السابق، حيث كان يوكل إلى الشباب العمل بمهن لم يعملوا بها من قبل، ولم يتدربوا عليها، مما يجعلهم لا يقومون بعملهم بشكل يرضي الشركات التي وظفتهم، ولكن بعد تسلمهم لتلك الوظائف وهم مدربون على طبيعتها فإن ذلك يعني أنهم سيؤدون تلك الأعمال بشكل مُرضٍ، وأنهم سوف ينجحون، وأن تلك الشركات سوف توفر على نفسها عناء التعيين والفصل وكثرة دوران الموظفين. وأضاف المزروع: إن عملية استقطاب شباب عن طريق إعلان الحاجة إلى موظفين، ثم إجراء المقابلة الشخصية، ثم التوظيف عملية لا تقارن بفكرة استقطاب الشباب وتأهيلهم وتدريبهم ثم تسليمهم وظائفهم، لذلك حتماً سنجد أن الشباب الذين تولوا تلك الوظائف بعد التدريب والتأهيل هم أكثر قدرة وأكثر إنتاجية وأكثر استقراراً في تلك الوظائف، مما يعني أن فكرة تدريب وتأهيل الشباب قبل توظيفهم هي فكرة ذكية، والاستثمار فيها مجدٍ، ومثلما قلت سابقاً، ستقطف تلك الشركات ثمار ما تنفقه من أموال لتأسيس تلك المعاهد وتدريب الشباب بها. وأنا دائماً أؤكد على نقطة هامة في مجال الموارد البشرية، فمن أجل نجاح أي موظف لا بد أن يتوفر لديه الوصف الوظيفي الذي يوفر له الوضوح التام لطبيعة العمل الذي سوف يقوم به، ويتوفر لديه كذلك المسار الوظيفي الذي يمنحه التحفيز، إذا توفر هذان العنصران، فإن الموظف سيمضي قدماً متحمسا لتحقيق النجاح، وهذا الأمر يساهم في استقرار الموظف في وظيفته، لأنه يجد نفسه متمكناً من ممارسة العمل، ويجد أن لديه مسارا وظيفيا واضحا في أنه بعد فترة من تحقيق الانجازات والتميز سيغادر هذه الوظيفة التي هو فيها إلى وظيفة أخرى أعلى وهذا يدفعه لمزيد من بذل الجهود في سبيل النجاح والتميز. وأضاف: هناك نقطة أخرى مهمة، فالتدريب الداخلي والتأهيل المنتهي بالتوظيف يساهم بشكل كبير في زيادة الإنتاجية للموظف، وهذا ما تسعى إليه كل الشركات وتتمناه، لأن الموظف المدرب على طبيعة العمل المنوط به قد تعلم الكيفية التي يجب أن يمارس من خلالها ذلك العمل، وبالتالي قد ساهم ذلك التدريب في مساعدة الموظف على فهم طبيعة تلك الأعمال وتمكنه منها بشكل يساهم في رفع إنتاجية ذلك الموظف، وهو أحد الأهداف الرئيسية لأي شركة، كما أن تمكن الموظف من أداء وظيفته باقتدار وبالتالي فإن رفع انتاجيته يساهم في استقراره الوظيفي، فأي شركة تتمسك بموظفيها المنتجين والمتميزين. وشدد على أهمية التدريب والتخصص، مبيناً ان إنشاء الأكاديميات والمعاهد الداخلية للشركات يساهم بشكل كبير في تحقيق توازن في العلاقة بين الشركات من جهة وموظفيها من جهة أخرى، وقال: إن مثل هذه المبادرات تسجل للشركات الكبرى التي تبنتها، ولها تأثير كبير على نجاح برامج التوطين، كم أنها تجارب ناجحة في مجملها، وأتمنى أن تتوسع مثل هذه التجارب لتشمل أغلب الشركات كونها أحد أهم عوامل دعم مسيرة التوطين في المملكة. وأضاف: لا زال السوق السعودي بحاجة إلى معاهد وأكاديميات في تخصصات مختلفة لا زال سوق العمل السعودي بحاجة إلى مخرجاتها، كالخدمات اللوجستية، وخدمات الضيافة والسياحة والصناعة، فالسوق بحاجة ماسة لتأهيل الشباب وتدريبهم في تلك القطاعات التي تنمو بشكل مستمر. تأهيل الموظف يزيد من إنتاجيته د. إبراهيم السليمان د. عبدالله الحمود عدنان المزروع التدريب يساهم في دعم التوطين