التقى العالم شرقه وغربه وشماله وجنوبه بملله ونحله على إدانة أحداث 11 / 9 / 2001م التي تعرضت لها أميركا. حينها كتب توماس فريدمان مقالة بعنوان "أعزائي السعوديين" خضبها بعبارات الاستعلاء الثقافي والحضاري. ومع أن (سماحته) عاش وتأدلج في الضاحية الجنوبية في بيروت حيث عمل مراسلاً لفترة طويلة متنقلاً بينها وتل أبيب فإنه زعم في مقالته بأنهم لا يعرفون عن السعودية قبل تلك الأحداث سوى أنها محطة وقود تتزود منها أميركا وتحميها. ومنذئذ مارس ابتزازه الإعلامي والسياسي للسعوديين ليعيد الكَرّة ومعه نفر من المثقفين الغربيين عقب أحداث باريس التي اجتمع العالم على إدانتها، إلى درجة ان نسبة كبيرة من مواطني بلدي لم يعرفوا ألوان العلم الفرنسي إلا بعد أن اتشحت به أطول المباني في العاصمة السعودية تضامنا مع ضحايا الإرهاب الفرنسيين. لقد آثر ومعه ثلة من المثقفين ووسائل الإعلام تجديد الخطاب العدائي للمسلمين وكأنهم يريدون إخراجنا من هذا الكون. قبل أكثر من عقد طالب ريتشارد بيرل وفريقه بإخراج السعوديين من جزيرة العرب، واليوم تطلق قناة الحرة الرسمية الأميركية عقب تفجيرات باريس وسما يطالب بطرد السعوديين ولا أعلم طردهم من أين وإلى أين؟ بل ويصل الأمر بالكاتب برت برلوتسكي (Burt Prelutsky) إلى المطالبة بطمس مكةالمكرمة من على وجه الأرض متجاهلاً مشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم. ولا أبيح سراً إذا قلت لك بأن لدينا الكثير من المثقفين السعوديين ينهجون في التطرف والإقصائية طريق دانيال بايبس Daniel Pipes، وريتشارد بيرل Richard Perle، وبرت برلوتسكي، وكامل داود KAMEL DAOUD، وتوماس فريدمان Thomas Friedman، وشون هنتي Sean Hannity ولكن إعلامنا المحترم لا يعطيهم فرصة للتعبير عن آرائهم العنصرية والاستعلائية المفخخة بالكراهية. عزيزي المثقف الأميركي: إنني أفترض أنك لست عضواً في الجماعة الإرهابية التي انتمى إليها الإرهابي تيموثي ماكفي الذي قتل بتفجيره في مدينة أوكلاهوما 168 شخصاً بينهم 19 طفلاً تقل أعمارهم عن 6 سنوات، كما أنك لا تنتمي إلى جمعيات "الكلاب المسعورة" التي أنتجت أندريز برويك (Andres Breivik) الذي قتل 69 شابا في النرويج، ولست أيها العزيز عضواً في جيش الرب الأميركي، ولا في جماعة الأمة الآرية Aryan Nations أو "مؤسسة النازيين الجدد القومية البيضاء" التي تأسست في السبعينيات الميلادية وصنفتها الشرطة الفدرالية الأميركية ومؤسسة راند بأنها أول شبكة إرهابية أميركية عنصرية مسيحية حقيقية. أنت بزعمي لست مسؤولاً عن جرائم الجيش الأميركي في أفغانستان، والعراق، ولا علاقة لك بفظائع سجن أبو غريب، ولا غوانتنامو، ولا بمجزرة المسجد الإبراهيمي في فلسطين. وليس لك أيها المثقف الأميركي علاقة بالفوضى الخلاقة التي أطلقتها كونداليزا رايس ولا بما تبعها من تدمير دول قائمة وتقتيل وتهجير أهلها، ولا علاقة لك أيضاً بصناعة القاعدة في أفغانستان، فتلك كانت مهمة السيد برزنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر. أنت لم تحضر حفلة تعميد أبو بكر البغداي فقد جرت مراسمها داخل سجون الجيش الأميركي في بغداد. وأشهد ألا علاقة لك بحل الجيش العراقي فذلك رجس من عمل بول بريمر، ولا لك علاقة بترقية إرهابي مطلوب للعدالة إلى رئيس دولة يحكم العراق نيابة عن إيران التي تتصدر ومازالت قائمة وزارة خارجية بلدكم للدول الراعية للإرهاب. ولا أحملك مسؤولية جرائم جيش الرب في إفريقيا الذي تشكل على يدي المنصرين وتربى على فكرهم، ولست شريكاً في مقتل أكثر من مئة مليون إنسان في القرن العشرين، كما أنه لا علاقة للمسيحية كدين، ولا للشعب الأميركي بذلك. أنتم لا تعرفون ما إذا كنا زملاء لكم على الأرض أو جيران من كوكب آخر، أما نحن فنرى بلدكم منارة للعلم والتقدم والتكنولوجيا وكعبة حقوق الإنسان "غير المسلم". نحن لم نشتك بأن أفلامكم علّمت أبناءنا العنف، ولا أن ألعابكم الإلكترونية عودتهم عليه، ولا أن مناهجكم الدراسية ملأت محابر الكّتاب الذين ذكرتهم آنفاً بالدم ليكون القتل والعنف سبيلًا ًلنشر الديمقراطية والثقافة الأميركية. كما أنني لا أحملك وزر الشركات الأميركية التي تشغل شبكات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى أهم وسائل الدعم اللوجستي والتواصل بين الإرهابيين. عزيزي المثقف الأميركي: لا أريد شهادة مقابل شهادة، ولكن لا علاقة لي بالقاعدة، ولا بداعش، ولا أعرف أسامة بن لادن، ولا أبو بكر البغدادي إلا كما تعرفهم أنت. لا دور لي في تفجيرات نيويورك وواشنطن، أو أنقرة -التي ذهب ضحيتها حولي 100 شخص ولم تُزين مبانيكم بأعلام تركيا-، ولا علاقة لي بإسقاط الطائرة الروسية في سيناء، أو بقتل المسلمين المصلين في المساجد في أبها والقطيف والكويت، كما أنه لا علاقة لي بتفجيرات لندن، ولا هجوم تشارلي ايبدو الفرنسية، ولا تفجيرات أبراج الخبر السعودية 1996م، والرياض 2003م، وليس لي علاقة بتفجيرات كينيا، ولم أقترب من سفينتكم "كول" في مياه اليمن. ديني أيها العزيز لا علاقة له بالإرهاب، ومن الظلم اتهام المسلمين بذلك. كما أن ثقافتي السعودية بعثت بعشرات الآلاف من أبنائها إلى بلدكم منذ السبعينيات ليتعلموا ثم يعودوا لقيادة التنمية في شتى مجالاتها، ولو كانت ثقافتي تعتبركم عدواً لما حصل ذلك. أنتم خائفون من الإرهاب وهو على بعد آلاف الأميال، ونحن خائفون منه ومحاصرون بالجماعات الإرهابية من كل جانب. إننا نتعاطف مع ضحايا الإرهاب وذويهم أياً كانت مللهم، وأنتم لا تعرفون عن مصابنا، وإذا علمتم قلتم "حيلهم بينهم" إرهابيون يقتل بعضهم بعضاً مع أن 92% من السعوديين يكرهون داعش.. دعنا نتفق على مبدأ عظيم جاء به ديننا يقول بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى. وعليه يكون الإرهابيون أيا كانت بلدانهم وعقائدهم خارجين على النظام، أعداءً للبشرية والحضارة الإنسانية، ويزيدهم قوة تشرذمنا وتلاومنا، ويحققون نجاحات أكبر عندما نلبي أهدافهم بتقسيم هذا العالم إلى فسطاطين واحد للخير وآخر للشر. لمراسلة الكاتب: [email protected]