يميل البشر للتكتل في مجموعات متماثلة (تتشارك نفس الأفكار والآراء والمعتقدات) الأمر الذي ينتهي بظهور الطوائف والمجتمعات بل والدول والأمم الكبيرة.. والإنسان كفرد ينتمي (للمجموعة) إما بحكم الولادة، أو الثقافة والمعتقدات المشتركة، أو انتمائهم لوطن أو قومية واحدة، أو التفافهم حول زعيم جسد آمال وتطلعات الناس فوضعوا صورته على عملاتهم الورقية.. تأمل بنفسك لماذا ينقسم العالم إلى 196 دولة؟ .. لأن الدول تنشأ غالباً إما حول تمايز ديني (كإسرائيل وباكستان) أو قومي (كصربيا وأرمينيا) أو عرقي (كالصين والهند) أو تباين اقتصادي ولغوي (كأميركا والمكسيك).. يشعر الناس بالاطمئنان والتفوق عندما يكونون ضمن مجموعة تتمايز عن غيرها لسبب واضح وصريح حتى لو كان هذا السبب اقتصادياً أو تاريخياً بحتاً.. وجودنا في مجتمعات وأوطان متمايزة يشعرنا بالأمان والاطمئنان.. حين نسمع عن الكوارث والمآسي التي تحدث في الدول البعيدة أو حتى القريبة مثل سورية واليمن نشكر الله أنها تحدث (خارج حدودنا الخاصة).. غير أن المآسي والاضطرابات من العوامل التي تعزز مشاعر الانفصام والاستقلالية بين الشعوب كونها تصنع التاريخ في الحاضر، وتعزز التمايز في المستقبل.. فالعرب مثلاً لم يعودوا بمثل حماسهم السابق لفلسطين منذ أن أصبحت دولة إضافية تملك سلطة ورئيساً وعلماً مستقلاً.. أصبحت الشعوب العربية بمرور الأجيال أكثر فرقة وتمايزاً وانفصاماً عما يجري خارج حدودها الرسمية.. بعد أن كانت قضية فلسطين توحدهم، ارتفعت بينهم نسبة التمايز الوجداني والسياسي عاماً بعد عام خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي حيث أصبحت لكل دولة تجربة مختلفة وتاريخ مستقل عن جاراتها.. وفي المقابل لاحظ مايحدث في أوربا رغم تعدد لغاتها وقومياتها.. لاحظ مايحدث حين تبدأ القوميات في التفكك والأفكار في التوحد والتطلعات في التحقق.. فحين يعم السلام وتشترك الأمم في نفس المبادئ والأفكار تميل إلى الانفتاح والتضام وإلغاء الحدود. هذا ماحصل بين دول الاتحاد الأوربي (التي أتوقع تحولها قريباً إلى الولاياتالمتحدة الأوربية) حيث تساوت الاقتصاديات وتوحدت التطلعات وتبنت الحكومات ذات المبادئ والتشريعات.. وهذا أيضاً ماحدث وإن كان بمستوى أصغر بين فيتنام وكمبوديا، والبرازيل والبارجواي، وأميركا وكندا حيث التطابق العرقي والفكري والاجتماعي حتم إزالة الحدود السياسية بينها نهائيا (بعكس الدول العربية التي لم تكتف بحدودها السياسية والجمركية، بل زادت عليها جدرانا أسمنتية وأسيجة معدنية حقيقية).. حين تفكر بما يجمع شمل الأمم ويبلور ظهور الدول؛ لن تجد عناصر مشتركة مثل التي تجمع بين الشعوب العربية.. غير أننا للأسف نسير بعكس حركة التاريخ والسياسة وأصبحت كل دولة تملك تجربة جديدة وتاريخاً لا يتعلق بجاراتها... باختصار شديد جدا؛ فسيفساء الدول العربية تزداد وضوحاً جيلاً بعد جيل.. وهذه بالتأكيد فوضى غير خلاقة..