اختتمت أمس أعمال ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الثاني الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية الإماراتية في فندق قصر الإمارات في العاصمة الإماراتية أبو ظبي بمشاركة متحدثين ومشاركين من أكثر من 40 دولة من دول الخليج والوطن العربي والعالم. حيث عقدت جلسات حوارية على مدى يومين متواصلين، وناقش المتحدثون أهمية عودة الشرعية إلى اليمن والتحالف العربي والمنظمات الغربية التي عصفت بمكونات المجتمع العربي والهوية الوطنية. النعمان: الحوثيون لعبوا على تناقضات الواقع اليمني لإقامة تحالفات في الشمال والجنوب وقد عقدت الجلسة الثانية من ملتقى أبو ظبي الاستراتيجي الثاني تحت عنوان "التحولات الداخلية في بلدان الربيع العربي: سورية، والعراق، وليبيا واليمن ومصر" في محاولة لمقاربة العوامل والسياسات الداخلية والخارجية التي أدت إلى دخول بلدان مثل اليمن والعراق وسورية وليبيا في غياهب الفشل، بينما تجنبت مصر نفس المصير. كما حاولت رصد تأثير التغييرات في البلدان العربية التي تمر بمراحل انتقالية عسيرة على المنطقة وتحديدا على دول الخليج. ريس: الأميركيون فشلوا في تخيّل نتائج تدخلهم في بلد مركب مثل العراق وقد بدأ مدير الجلسة جاسم الخلوفي، مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية الإماراتية، بتحديد إطار للنقاش من خلال رسم المشهد العام في المنطقة، حيث قال "إن العالم العربي يشهد تداخلات محلية وإقليمية ودولية تحولت بسببها أزماته إلى قضايا إقليمية وإلى حروب بالوكالة، وأصبحت المنطقة ساحة صراع لقوى خارجية تحمل مشروعات استراتيجية مثل إيرانوتركيا، وقوى أخرى غير تابعة للدول لكنها تحمل مشروعات خاصة عابرة للحدود". وأشار الخلوفي إلى "عجز النظام الإقليمي عن حل المشاكل الراهنة وفشل مؤسساته عن التدخل الفاعل، ما ساهم في تدويل أزمات المنطقة" مذكرا بملامح ضعف الدولة الوطنية في المنطقة التي دفعت خمس دول عربية إلى صدارة قائمة الدول العشر المصنفة كدول فاشلة في العالم، كما حمل الخلوفي الولاياتالمتحدة الأميركية المسؤولية الكبرى عن إثارة الفتن والصراع الطائفي على حساب نسيج المجتمع العربي الموحد. وشكل اليمن محورا ثانيا للنقاش في الجلسة افتتحه مصطفى النعمان، السفير في وزارة الخارجية اليمنية، بالقول إن أحد أسباب فشل الدولة اليمنية يكمن في استمرار نفس نخب وأساليب النظام السابق في الحكم حتى بعد انتقال السلطة للرئيس عبدربه منصور هادي. أما اللاعب الجديد الوحيد فهم الحوثيون وقد تواطأت معهم جميع المكونات السياسية، لأهداف ذاتية مختلفة، من أجل إسقاط صنعاء بين أيديهم. كما أن الحوثيين لعبوا على تناقضات البنية اليمنية لإقامة تحالفات طائفية في الشمال وسياسية في الجنوب. واعتبر النعمان أن ظهور العامل الإيراني في اليمن جاء بعدما رفع الجميع يده عن البلاد بعد توقيع المبادرة الخليجية، واستغلال طهران للأمر لتطبيق أجندتها، قائلا إن تحالف عاصفة الحزم تشكّل متأخرا وجاء ليؤكد فشل المسار السياسي في اليمن. وانتقد النعمان غرق القيادة الشرعية في خلافات جانبية غير مقبولة في الوضع الراهن. أما د. مرهف جويجاتي، أستاذ العلاقات الدولية في أكاديمية الإمارات الديبلوماسية بأبو ظبي، فقد استرعى انتباه المشاركين إلى أن كل الدول العربية التي آلت للفشل، ومنها سورية، لجأت للقوة المفرطة لقمع المحتجين أو آمنت بالعنف كوسيلة للتغيير. وعلى عكسها نجحت دول قدمت تنازلات سياسية وأقدمت على إصلاحات مثل المغرب والأردن في تفادي رياح العنف التي تعصف بالمنطقة. المتحدثون خلال الجلسة وحاول الدكتور ظافر العاني، عضو البرلمان العراقي، مقاربة الأسباب التي أدت بالعراق إلى الوضع الكارثي الذي يتخبط فيه قائلا جئتكم من العراق الذي يغرق في المطر والوحل والطائفية والفساد المستشري، وأن هنالك ميلا لدى الجميع إلى اعتبار محاربة تنظيم داعش الإشكالية الأكبر، بينما قليلا ما تتم مساءلة السياسات الطائفية التي أنتجته. وذكر العاني في هذا السياق باستهداف شرائح اجتماعية واسعة من النسيج الوطني العراقي و"في مقدمتهم مكون العرب السنة الذي يتعرض لإذلال وإقصاء ممنهج من خلال سياسات الاجتثاث والتهجير والتهميش من خلال المليشيات الطائفية الموالية لإيران والمدعومة من الحكومة العراقية". واعتبر أن العشائر السنية هي أنجع سلاح في محاربة داعش لكن العرب السنة لا يتشاركون القناعة بمحاربة التنظيم لأنهم غير مطمئنين لإمكانية معاملتهم كمواطنين في بلدهم بعد القضاء على داعش، مذكرا في هذا الصدد بما حدث للصحوات بعد نجاحها في اجتثاث تنظيم القاعدة. بعد ذلك تطرق تشارلز ريس، نائب رئيس مؤسسة "راند" للشؤون الدولية، للدور الأميركي في المنطقة قائلا إنه لم يتغير وان التزام واشنطن بأمن المنطقة ثابت ومستمر. لكنه أقر بفشل فيما سماه "الخيال الأميركي" وليس السياسات الأميركية قائلا إن الأميركيين لم يستطيعوا تخيل ما يمكن أن ينتج عن تدخلهم في بلد مركب كالعراق، ولم يقدروا أن سورية قد تتفتت بهذا الشكل أو أن مشاكل البطالة بين الشباب قد تشعل النار في العالم العربي. ودعا ريس دول الخليج العربية إلى أن تدرك أن الولاياتالمتحدة تبني سياساتها بما يحفظ مصالحها في المنطقة، وأن عليها العمل بشكل مشترك والحديث بصوت واحد لتكون شريكا فاعلا لواشنطن. أما إيلينا سوبونينا، المستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، فقد اعتبرت أن كثيرا من الأسباب التي أدت للوضع الراهن في العالم العربي موجودة في مناطق أخرى من العالم وقد تؤدي إلى هزات فيها. وتوقعت يوبونينا بظهور "كائن عالمي جديد" قائلة "لا بد من نشوء دول جديدة وتغير في الحدود الدولية". وأضافت أن روسيا تدعم التشكل الجديد للعالم ولذلك فإنها عادت إلى منطقة الشرق الأوسط للحفاظ على مصالحها في ظل نظام عالمي جديد قيد الولادة. واعتبرت الخبيرة الروسية أن العالم يقف اليوم أمام خيارين: إما توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب وإما الذهاب في اتجاه تعميق الخلافات. وشهدت الجلسة نقاشات مثيرة حول طبيعة الدورين الروسي والأميركي في المنطقة. حيث رفض تشارلز ريس الفكرة القائلة بأن التدخل الروسي في سورية جاء استغلالا لانكفاء الدور الأميركي وغياب رؤية بعيدة لدى واشنطن في المنطقة معتبرا أن موسكو استثمرت كثيرا في نظام الأسد وتدخلت لإنقاذه وحماية مصالحها المرتبطة به. وردت إيلينا سوبونينا بانتقاد ما سمته "ضعف الإدارة الأميركية وتذبذبها وضبابيتها تجاه حلفائها" قائلة إن روسيا لا تتخلى عن حلفائها وهي مستعدة للعمل مع دول الخليج للتوصل لتسوية سياسية في سورية. ودخل مرهف جويجاتي على الخط منتقدا الدورين معا حيث قال "روسيا قصفت كل شيء في سورية عدا تنظيم داعش، وإدارة أوباما لم تقم بأي شيء في سورية وغيرت خططها مؤخرا بشكل مخجل فقط لتعلن أنها أرسلت خمسين فرداً من قواتها الخاصة إلى سورية". جانب من الحضور صراع القوى الاقليمية المحموم من اجل توسيع النفوذ وفرض واقع جديد في المنطقة وفرص التعاون المحتملة، كان محور نقاشات جلسة حملت عنوان "تجاذب وتنافر القوى الاقليمية (ايران، تركيا، الصراع العربي-الاسرائيلي)، وأدارتها الدكتورة داليا داسا كيه، أستاذة العلوم السياسية، ومديرة "مركز الشرق الأوسط للسياسات العامة في مؤسسة "راند" الأميركية. ورأى الدكتور محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا بالولاياتالمتحدة "ان الرئيس الأميركي باراك أوباما وادارته أظهرا رؤية استثنائية بانجاز الاتفاق النووي مع ايران، والذي يتجاهل كثيرون انه ايضا اتفاق تم توقيعه مع خمس قوى عالمية كبرى أخرى". واستنكر الدكتور ميلاني مواقف من يعارضون هذا الاتفاق النووي مع طهران، مشيرا الى "عدم تقدمهم ببدائل حقيقية في هذا الصدد، ومذكرا بأن 37 عاما من العداء والقطيعة بين واشنطنوطهران انهتهما مصافحة بين القادة الإيرانيين والأميركيين، وهذه رسالة للخليج بأن التعاون لا يزال ممكنا وأن القطيعة لا يمكن ان تستمر الى الأبد". من جهته قال الدكتور محمد السلمي، المحاضر السعودي في العلاقات الدولية، "إن جميع دول المنطقة تريد انفتاحا على ايران وفي مقدمتها دول الخليج العربي بحكم الجوار"، الا ان التناقضات في الخطاب السياسي الايراني تزداد حدة، اذ ان الزعيم الايراني خامنئي طالب شعوب المنطقة بعد ثورتي تونس ومصر بالثورة من اجل اسقاط الأنظمة الحاكمة، ثم أعلن بعد ذلك ان الربيع العربي مؤامرة صهيو-أميركية، ليتراجع مرة أخرى بسبب موقفه من الأزمة في سورية ليقول ان ما يحدث هو حرب ضد الارهاب السني. وأكد السلمي "ان لا تعاون مرشحاً للاستمرار بين ايران ومحيطها ما لم تتخل طهران عن حلمها باقامة مشروعها الامبراطوري في المنطقة وما بعد حدود المنطقة، وتهتم مثل أي دولة أخرى بشؤونها الوطنية". وفي سياق النقاش حول الطموحات النووية الايرانية، قال الدكتور سلطان النعيمي "ان دول الخليج والمنطقة العربية لا يعارضون امتلاك ايران برنامجا نوويا سلميا، لكن الخلاف يتمحور حول عدم وجود ضمانات حقيقية وكافية، تكبح مطامع طهران النووية في امتلاك التكنولوجيا النووية واستخدامها لأغراض غير سلمية لإشباع اطماعها في المنطقة". ولفت الدكتور النعيمي الانتباه الى "ان الحديث عن النظام الايراني يختلف عن الحديث عن الحكومة هناك، فعلى الرغم من كون الأخيرة الجهة التنفيذية في الدولة، الا انها تبقى الحلقة الأضعف في سلسلة صناعة القرار الإيراني، وهذه مشكلة واجهت معظم من تعاملوا ويتعاملون مع ايران". من جانبه، أكد الدكتور بيوتر دتكيويتز، مدير "مركز الحوكمة والادارة العامة" في جامعة كارلتون الكندية، "أن ايران حصلت على هدية ثمينة من المجتمع الدولي متمثلة في الاتفاق النووي، وهي تدرك جيدا انها يجب ان لا تفسد هذه الفرصة الاستثنائية التي جاءت بعد سنوات من الانتظار الصعب". بدوره، قال الدكتور وو بنغبنغ، الأستاذ المشارك، ومدير معهد الثقافة العربية-الاسلامية في جامعة بكين، "ان هناك تفهما صينيا للمخاوف التي تبديها معظم الدول الخليجية والعربية تجاه البرنامج النووي الايراني، لأنها دول من خارج النادي النووي". وفي المحور التركي، قدم يشار ياكيش، السياسي البارز ووزير خارجية تركيا الأسبق توصيفا للمقاربة التركية الخاطئة للوضع في سورية قائلا: "لم يسقط نظام بشار الأسد، لكن سياسة تركيا الخارجية لم تتكيف، وأصبحت أنقرة أكثر عزلة من أي وقت مضى". وأكد ياكيش ان الانتخابات التي تشهدها تركيا اليوم تعد حاسمة، لأن نتائجها ستؤثر كثيرا على السياسة الخارجية التركية ومنها الموقف من الحرب في سورية. أما بشأن الصراع العربي الاسرائيلي، فقد أكد الدكتور سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، "ان القضية الفلسطينية لا يمكن ان تبقى قيد التهميش حتى وان بدا الامر كذلك، وان لها الفضل تاريخيا في تعزيز روح الرفض للاحتلال في العالم العربي". وأضاف فياض "ان عملية السلام كانت تفتقد للأسس السلمية الضامنة لاستمرارها ونجاحها ولذلك كانت جميع التفاهمات تنتهي بالاخفاق، وقد حصل تباعد بين الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، جراء الفشل المتكرر في المفاوضات". أما ماريسا ماتياس، عضو البرلمان الاوروبي من البرتغال، فقد أكدت على "ضرورة ان ينظر المجتمع الدولي إلى الممارسات السياسية في فلسطين، واجراء مراجعة ذاتية ودائمة لكي نستطيع أن نسير قدما نحو مسار السلام".