ليس هناك شك بأن الكثير من السيدات يتعرضن للعنف الجسدي والنفسي لأكثر من مرة في محيط حياتهن الأسرية، سواء كان ذلك العنف من قبل الزوج أو الأب أو الأخ ، إلا أنه وبرغم تعدد صور العنف التي قد تعاني منها المرأة لم يسبق أن كانت المرأة تدير صراعاً مليئا بالعنف كما أصبحت بعض مقاطع الفيديو تكشف عن وجود نساء "مستشرسات" يقمن بالضرب والاشتباك، حتى إن كان ذلك الاشتباك في الأماكن العامة أو في موقع العمل الوظيفي، ويبدو بأن هناك البعض من السيدات أصبحن يقدن زمام العنف بعد أن أظهرت أحد مقاطع الفيديو والتي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي عن مدى الشراسة والعنف التي تتصف بها بعض السيدات، والتي وصلت إلى حمل أحد مقاعد المقهى الذي كانت تجلس به لتضرب به سيدة أخرى كانت قد تشاجرت معها على خلاف ما. وعلى الرغم أن حالات الغضب من الطبيعي أن تدفع رجلاً إلى اللكم والضرب حتى إن تمنينا أن يتحلى الرجل بالكثير من الصبر والاحتمال واللباقة في إدارة غضبه، إلا أن المرأة حالة مختلفة تماما فمن الصعب تصديق أن تتشاجر المرأة بالسباب والشتائم والصراخ والاشتباك في الأماكن العامة وكأنها "نمرة" متوحشة، حتى أصبحنا نشاهد حالات لشراسة غير مسبوقة في عالم النساء. تشابك بالأيدي السؤال هنا، ما الذي حدث حتى تحول هذا الكائن الناعم إلى شرس حتى إن كان ما يبرر تلك الشراسة غضب عارم وهل يمكن أن يكون هناك تحول كبير لدى بعض السيدات بأن يعبرن عن غضبهن في الأماكن العامة بكل تلك الشراسة وبكل ذلك الهياج دون مراعاة لحدود خصوصية وحياء المرأة والطبيعة الاجتماعية التي تربت عليها وما السر خلف تحول بعض السيدات إلى مستشرسات. كشفت بعض الموظفات في القطاع التعليمي بأن هناك ارتفاعاً في معدلات العنف لدى البنات في مختلف المراحل الدراسية، فالطالبات والمعلمات أيضا على حد سواء أصبحن يلجأن إلى العنف والاشتباك إذا ما واجهتهن مشكلة مع الأخريات، فأصبحت الإناث من الطالبات يتشابكن بالأيدي في حال وقوع اختلاف في وجهات النظر مع بعضهن البعض وربما أدى بعض الخلاف إلى المضاربات والملاكمات في حين قد تقوم بعض المعلمات بدفع طالبة أو المشاجرة معها أيضا في حال ان تم استفزازها من قبل بعض الطالبات، حتى أصبحت هناك حالات من العنف والشراسة الواضحة في سلوك الفتيات في إدارة خلافاتهن. الأسرة والتساهل تقول مها عبدالله – معلمة بإحدى المدارس – : ان الشراسة والعنف أصبح موجودا في شخصيات بعض الطالبات بشكل ملحوظ، حتى ان الفتاة التي لم تتعدَّ سن 12 تقوم بضرب إحدى زميلاتها دون تردد في حال الاختلاف البسيط، والمشكلة بأن هذا السلوك لا يوجد له استنكار كبير من قبل أسرة الطالبة في حال تم إبلاغهم، فالأسرة تتعامل مع هذه السلوكيات على أنها حالة عابرة في مرحلة عمرية للفتاة تعيش فيها المراهقة دون أن يكون هناك انتباه إلى خطورة ممارسة العنف في سلوكيات الفتيات، مشيرة إلى أن المدارس أصبحت بحاجة إلى تفعيل دور الاخصائية النفسية والاجتماعية بشكل كبير وأن يخصص لها مكتب لممارسة عملها بشكل علمي ودقيق وليس اختيار أي معلمة حتى يكون من ضمن مهامها الأخرى لحل مشاجرات الطالبات، فالفتيات أصبحن يمارسن العنف بكل صوره دون أن يكون هناك خجل من وصفها ب "المستشرسة" بل ان هناك من يجاهر بتلك السلوكيات وربما وجهت أحدهن تهديداتها بالاعتداء على المعلمة. شاهد عيان وترى لمياء النعيم بأن البعض من النساء للأسف أظهرت المرأة في مجتمعاتنا العربية بصورة غير مقبولة، فهناك بعض السيدات من يتشاجرن لأسباب غير منطقية ولا تستحق الانفعال، كما أصبحت بعض السيدات تطلق السباب والشتائم وتتشاجر حتى مع الرجل في الاماكن العامة، دون مراعاة لطبيعتها كونها امرأة، مشيرة إلى الحادثة التي وقعت في أحد المجمعات الكبيرة حينما كانت تتسوق فإذا بامرأة تتشاجر مع سيدة أخرى بسبب مقاعد في احد المقاهي فتحول الشجار بالكلام إلى مشاجرة كبيرة وتشابك بالأيدي، أدى إلى انتزاع الحقائب وتمزيق الثياب، وعلى الرغم من محاولات جهاز الأمن فض النزاع إلا أن المتشاجرات كن مصرات على أن لا ينتهي ذلك الخلاف بسلام. سرعة انفعال بعض السيدات لا تبرر سلوك العنف ورأت لمياء بأن هناك تغيرا كبيرا في طبيعة المحيط الذي كان يحيط بالمرأة في السابق، فالمرأة مهما كانت لها خصوصيتها وطبيعتها التي لا يجب أن تتعداها، فالعنف والشراسة لا يليقان بالمرأة أبدا حتى إن كانت في لحظات الغضب، بل يجب أن تمثل المرأة نفسها دائما بشكل يليق بمعنى أن تكون "أنثى"، فالشراسة والعنف صفات طارئة على شخصية المرأة في الوقت الحالي. الظروف الجديدة وأشارت عهود الفصيل – مدربة في معهد نسائي – الى أن المرأة أصبحت تميل لسرعة الانفعال وربما إلى العنف بسبب تغير الظروف الحياتية التي أصبحت تعيشها، فالمرأة في الوقت الحالي أم وزوجة وموظفة وهي أيضا ابنة لأسرتها التي قد تكون تمر بالكثير من الظروف والمشاكل الاجتماعية الصعبة، ولها مسؤوليات كبيرة ربما تفوق – أحيانا – مسؤوليات الرجل ففي الوقت الذي لم تكن فيه المرأة تتصف بالعنف في السابق وذلك نظرا لطبيعة حياتها التي كانت تتعامل معها على اعتبارها امرأة يجب أن يكون هناك من هو مسؤول عن كل ما يخصها وهو الرجل، مضيفة اننا نجد بأن هذا تغير في الوقت الحالي كثيرا فالأدوار انقلبت والمرأة أصبحت هي المسؤولة حتى مع وجود زوجها، فربما كانت موظفة وعليها مسؤوليات والتزامات مادية مع زوجها وربما بداخل أسرتها، وهي أم لأبناء أصبحت تربيتهم تمثل إشكالية كبيرة في عصر الانفتاح، كما أنها زوجة لرجل أصبح هو أيضا بداخل دائرة ذلك الانفتاح والانسحاب إلى العالم الافتراضي، مشيرة ان المرأة أصبحت تعاني كثيرا من ضغوطات كبيرة فوق احتمالها، فلم تعد قادرة على أن تكون ذلك الكائن الذي يحق له الدلال والاستمتاع بطبيعته، ولم تعد قادرة أن تتهرب من مسؤولياتها التي هي في الاساس مسؤولية الرجل، وربما تلك الاسباب جعلت منها كائنا يميل إلى العنف إذا ما قورن بطبيعة المرأة في السابق فالمرأة يجب أن تحتوى وتشعر بضعفها حتى تعود إلى طبيعتها، وتبعد عن العنف والشراسة والغضب. فقدان التوازن وأوضحت د. شيخة العودة – مستشارة في التنمية البشرية والاجتماعية والنفسية – بأن الاصل في المرأة هي كونها من الجنس الناعم فالمرأة، منذ القدم في مجتمعاتنا تتربى على أساس الحياء والخجل والهدوء والنعومة وهي تحمل تلك الصفات بالفطرة، ولكن هناك مواقف نادرة تتصف بها المرأة بالشراسة والعنف وهي صفات شاذة عن طبيعة المرأة الحقيقية، وتستدرك إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت بعض الحالات لسيدات يمارسن العنف حتى في الاماكن العامة، ويقمن بالمشاجرة إلا أن مثل هذه الحالات تكون بدافع الاستفزاز من قبل المرأة، فالمرأة حينما تصل إلى أعلى مراحل الاستفزاز قد تتحول إلى شرسة وتقوم بالمشاجرة وربما الضرب ففي تلك الحالات تخرج عن طبيعتها الاساسية التي جبلت عليها بسبب شدة الغضب. وأشارت إلى أن كثرة حصول المشاجرات والاعتداء بالضرب أو المشادة الكلامية بين النساء في الأماكن العامة خاصة تعود إلى تغير النظرة إلى السوق ومجمعات التسوق والتي تحولت من مكان لقضاء الحاجيات إلى مكان للترفيه، فالمرأة أصبحت تخرج برفقة أبنائها أو أسرتها إلى "المولات" حتى تتنزه ومن أجل التنفيس عن نفسها، حتى أصبحت الأسواق المتنفس الكبير للمرأة ولذلك حينما يحدث موقف للمرأة يغضبها فانها تنفعل وقد تمارس ذلك العنف لأنها في لحظة تفقد فيها توازنها النفسي، مضيفة ان مثل هذه الممارسات لا يجب أن تصدر من المرأة ليس فقط في الاماكن العامة بل في جميع الاماكن، إلا أن هناك من السيدات من تفقد القدرة على الامساك بزمام انفعالها وربما يقودها ذلك إلى شدة الغضب الذي ينتج عنه الانفعال الذي يصل بها إلى أن تتحول إلى كائن شرس قد يضرب ويصرخ ويطلق الشتائم، مشيرة ان تلك الممارسات كانت نتيجة ما تشاهده المرأة وما أصبحت تعيشه من جو يصور حياة مختلفة للمرأة عما كانت عليه في السابق من خلال الانترنت والمسلسلات التي تعرضها القنوات الفضائية والتي تصور بعض السيدات بذلك القدر من العنف والشراسة في بعض المواقف الانفعالية. وأكدت على أن اتصاف المرأة بالعنف والشراسة لم يعد مقتصرا على الدول العربية وفي محيط مجتمعاتنا، بل انه موجود حتى في الدول الغربية، فالمرأة هناك قد تلجأ إلى الضرب والصراخ وممارسة العنف مع الآخرين، مشيرة إلى أن المرأة تصل إلى قمة شراستها حينما تشعر بالغيرة فيتملكها ذلك الشعور فتتحول إلى كائن عنيف، فحتى على مستوى المشتريات حينما ترغب في شراء قطعة في السوق لا يوجد منها أخرى وتجد بأن سيدة أخرى أخذتها فانها قد تتشاجر مع تلك السيدة لتحصل على تلك القطعة، مؤكدة ان الغيرة هنا هي ما تحرك شراسة المرأة وربما تفقدها السيطرة على زمام الأمور وعلى توازنها. وأوصت د. شيخة العودة بأن تقوم المرأة دوما بعمل تدريبات لنفسها على محاولة ضبط نفسها في الغضب، ومحاولة السيطرة على توازنها في حالات الغضب خاصة في الاماكن العامة، كما يجب أن لا تخرج إلا وهي متحصنة بالهدوء والسكينة والتوكل على الله الذي يبعث الطمأنينة في النفوس حتى لا تقع في لحظات الغضب العاصف الذي يحولها من كائن ناعم إلى كائن شرس.