السيارة مثل الطائرة والراديو والتلفون يصعب الاتفاق على من اخترعها أولاً.. حين تبحث عن مخترعها الحقيقي تفاجأ بأسماء كثيرة يصعب فصلها أو استثناؤها من هذا الشرف.. فأول من صنع عربة تسير بذاتها (بقوة البخار) هو الفرنسي نيوكولاس كيجنوت عام1769.. غير أن الألماني نيكولاس أوتو هو أول من اخترع محرك الجازولين المعروف حالياً عام 1832.. وفي عام 1885 قام كارل بينز الألماني بتطوير هذا المحرّك ووضعه فوق عربة تسير بذاتها.. غير أن هنري فورد في أميركا هو أول من صنع سيارات شعبية يمكن للجميع شراؤها عام 1896.. ورغم كل هذا؛ لا ننسى أن السيارات الكهربائية كانت معروفة قبل فورد وبينز وأتو بفضل "المحرك الكهربائي" الذي ابتكره الهنغاري أنيوس جيدليك عام 1828.. وبناء عليه أنا من يسألك الآن: من برأيك مخترع السيارة؟ الحقيقة هي أن السيارة مثل جميع الاختراعات العريقة ساهم في وضع لبناتها عدد كبير من المخترعين.. ولكن لو سألتني عن رأيي الشخصي؛ سأقول إن أول سيارة مماثلة لسياراتنا الحالية (جمعت بين العربة ومحرك الاحتراق الداخلي) هي التي صنعها الألماني كارل بينز عام 1885!! أما الطريف في الموضوع فهو أن جميع هذه الأسماء الرجالية لم تنل شرف قيادتها لأول مرة.. فأول من قاد السيارة في التاريخ كانت امرأة تدعى بيرثا رينجر.. كانت امرأة ثرية منحت أموالها لزوجها (كارل بينز) ليستثمرها في ابتكار عربة تسير بذاتها.. غير أن الفكر السائد في القرن التاسع عشر كان يشبة الفكر السائد في الجزيرة العربية حتى عهد قريب.. فقد كانت الكنيسة ترى أن أي عربة لا تجرها الخيول تعد من أعمال السحر والشعوذة.. وكان قيصر ألمانيا مهووساً بالخيول ويعتبرها عماد جيشه الأكبر في أوروبا ويغضب من مجرد سماع فكرة الاستغناء عنها لصالح عربات تسير بذاتها.. لهذا السبب حين انتهى بينز من اختراع سيارته لم يعلن عنها وخبأها لأكثر من عام في كراج منزله... في ذلك الوقت كان مُحرّماً على المرأة المتزوجة استثمار أموالها بنفسها فكانت أعمال بيرثا تسير من خلال زوجها كال بينز.. غير أن بيرثا سئمت من جبن زوجها وعجزه عن استثمار اختراعه الجديد ففتحت الكراج دون إذنه وقررت قيادة السيارة بنفسها من مدينة مانهايم (حيث تعيش مع بينز) إلى مدينة بيفورزهايم (حيث تعيش أختها).. وهكذا قطعت بيرثا (في أغسطس 1886) المسافة بين المدينتين وسط ذهول الناس الذين يشاهدون لأول مرة عربة تسير بلا خيول.. كانت عربات الخيل القادمة من الطرف الآخر تنحرف عن الطريق خوفاً منها، وكان الناس يمعنون النظر فيها لرؤية الشيطان الذي يحركها.. ولم تكن بيرثا امرأة شجاعة فحسب، بل وذكية تمكنت من إضافة اختراعين جديدين خلال رحلتها هذه.. فبغرض زيادة قوة المحرك توقفت عند صيدلية واشترت مادة محفزة للوقود، وحين لاحظت ضعف "الفرامل" توقفت عند حداد وطلبت منه تلبيس قابض الفرامل بجلد حصان لكبح العجلات بشكل أفضل.. وحين وصلت إلى مدينة بيفورزهايم كان الجميع قد سمع بها فتجمع الناس بانتظارها وأصبحت أشهر من نار على علم.. هذه الرحلة كسرت حاجز الخوف وساهمت في تقبل فكرة السيارة وخروج زوجها كارل بينز من دائرة الظل (بل وتأسيسه شركة مرسيدس بينز مع المهندس ديملر)... بقي أن أشير إلى أن المناخ السائد في ذلك العصر كان أيضاً يمنع المرأة من السفر وحدها بأي وسيلة كانت.. لهذا السبب اصطحبت بيرثا في رحلتها هذه ابنيها إيجن وريتشارد اللذين كما هما شائع لدينا هذه الأيام لم يتجاوزا سن المراهقة!!