على سعة صحراء العرب لا يكاد يخلو موضع فيها من علامة وتذكار، ولا موقع فيها من علاقة وأشعار، وأول ذلك الرياض والفياض، وموارد الماء ومنابت الكلأ، بل حتى الكثير من كثبان الرمال وشوامخ الجبال كانت مسارح حب عفاها الزمان، وخلّدتها قصص الحب وآهات الوجد وبدائع الأشعار.. ها هو ذا جرير يحن إلى جبل الريان حنين الحبيب إلى الحبيب، ويذكر ما كان له في سفحه الجميل من ذكريات لا تبلى على مرّ الزمان: حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا قَدْ كنْتُ في أثَرِ الأظْعانِ ذا طَرَبٍ مروعاً منْ حذارِ البينِ محزانا يا ربَّ مكتئبٍ لوْ قدْ نعيتُ لهُ بَاكٍ، وآخَرَ مَسْرُورٍ بِمَنْعَانَا يا أيّهَا الرّاكِبُ المُزْجي مَطيّتَهُ بَلِّغْ تَحِيّتَنَا، لُقّيتَ حُمْلانَا بلغْ رسائلَ عنا خفَّ محملها عَلى قَلائِصَ لمْ يَحْمِلْنَ حِيرَانَا كيما نقولَ إذا بلغتَ حاجتا أنْتَ الأمِينُ، إذا مُستَأمَنٌ خَانَا تُهدي السّلامَ لأهلِ الغَوْرِ من مَلَحٍ هَيْهَاتَ مِنْ مَلَحٍ بالغَوْرِ مُهْدانَا أحببْ إلى َّ بذاكَ الجزعِ منزلة ً بالطلحِ طلحاً وبالأعطانِ أعطانا يا ليتَ ذا القلبَ لاقى منْ يعللهُ أو ساقياً فسقاهُ اليومَ سلوانا أوْ لَيْتَهَا لمْ تُعَلِّقْنَا عُلاقَتَهَا غدْرَ الخَلِيلِ إذا ماكانَ ألْوَانَا هَلا تَحَرّجْتِ مِمّا تَفْعَلينَ بِنَا يا أطيَبَ النّاسِ يَوْمَ الدَّجنِ أرَدَانَا قالَتْ: ألِمّ بِنا إنْ كنتَ مُنْطَلِقاً وَلا إخالُكَ، بَعدَ اليَوْمِ، تَلقانَا يا طَيْبَ! هَل من مَتاعٍ تمتِعينَ به ضيفاً لكمْ باكراً يا طيبَ عجلانا ما كنتُ أولَ مشتاقٍ أخي طربٍ هَاجَتْ لَهُ غَدَوَاتُ البَينِ أحْزَانَا يا أمَّ عمرو جزاكَ اللهُ مغفرة ً رُدّي عَلَيّ فُؤادي كالّذي كانَا ألستِ أحسنَ منْ يمشي على قدمٍ يا أملحَ الناسِ كلَّ الناسِ إنساناً يلقى غريمكمُ منْ غيرِ عسرتكمْ بالبَذْلِ بُخْلاً وَبالإحْسَانِ حِرْمانَا لقدْ كتمتُ الهوى حتى تهيمنى لا أستطيعُ لهذا الحبَّ كتمانا لا بَارَكَ الله فيمَنْ كانَ يَحْسِبُكُمْ إلاّ عَلى العَهْدِ حتى كانَ مَا كانَا من حُبّكُمْ؛ فاعلَمي للحبّ منزِلة ً نَهْوَى أمِيرَكُمُ، لَوْ كَانَ يَهوَانَا لا بَارَكَ الله في الدّنْيَا إذا انقَطَعَتْ أسبابُ دنياكِ منْ أسبابِ دنيانا يا أمَّ عثمانَ إنَّ الحبَّ عنْ عرضٍ يُصبي الحَليمَ ويُبكي العَينَ أحيانا ضَنّتْ بِمَوْرِدَة ٍكانَتْ لَنَا شَرَعاً تَشفي صَدَى مُستَهامِ القلبِ صَديانَا كيفَ التّلاقي وَلا بالقَيظِ مَحضَرُكُم مِنّا قَرِيبٌ، وَلا مَبْداكِ مَبْدَانَا؟ نَهوَى ثرَى العِرْقِ إذ لم نَلقَ بَعدَكُمُ كالعِرْقِ عِرْقاً وَلا السُّلاّنِ سُلاّنَا ما أحْدَثَ الدّهْرُ ممّا تَعلَمينَ لكُمْ للحَبْلِ صُرْماً وَلا للعَهْدِ نِسْيَانَا أبُدّلَ اللّيلُ، لا تسرِي كَوَاكبُهُ أمْ طالَ حتى َّحسبتُ النجمَ حيرانا يا رُبّ عائِذَة ٍبالغَوْرِ لَوْ شَهدَتْ عزّتْ عليها بِدَيْرِ اللُّجّ شَكْوَانَا إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ بهِ وهنَّ أضعفُ خلقْ اللهِ أركانا يا رُبّ غابِطِنَا، لَوْ كانَ يطلُبُكُم لا قَى مُباعَدَة ًمِنْكمْ وَحِرْمَانَا أرَيْنَهُ المَوْتَ، حتى لا حَيَاة َ بِهِ قَدْ كُنّ دِنّكَ قَبلَ اليَوْمِ أدْيَانَا طارَ الفؤادُ معَ الخودِ التي طرقتْ في النومِ طيبة َالأعطافِ مبدانا مثلوجة َالريقِ بعدَ النومِ واضعة ً عنْ ذي مثانٍ تمجُ المسكَ والبانا قالتْ تعزفانَّ القومَ قدْ جعلوا دونَ الزيارة ِأبواباً وخزانا لَمّا تَبَيّنْتُ أنْ قَد حِيلَ دُونَهُمُ ظلتْ عساكرُ مثلُ الموتِ تغشانا ماذا لقيتُ منَ الأظعانِ يومَ قنى ً يتبعنَ مغترباً بالبينِ ظعانا أتبعتهمْ مقلة ٌإنسانها غرقٌ هلْ ما ترى تاركٌ للعينْ انسانا كأنَّ أحداجهمْ تحدى مقفية ً نخْلٌ بمَلْهَمَ، أوْ نَخلٌ بقُرّانَا يا أمَّ عثمانَ ما تلقى رواحلنا لو قستِ مصبحنا منْ حيثُ ممسانا تخدي بنا نجبٌ مناسمها نَقْلُ الخرَابيُّ حِزّاناً، فَحِزّانَا ترمي بأعينها نجداً وقدْ قطعتَ بينْ السلوطحِ والروحانِ صوانا يا حبذا جبلُ الريانِ منْ جبلٍ وَحَبّذا ساكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا وَحَبّذا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِية ٍ تأتيكَ من قبلَ الريانِ أحيانا هبتْ شمالاً فذكرى ما ذكرتكمْ عندَ الصفاة ِالتي شرقيَّ حورانا هلَ يرجعنَّ وليسَ الدهرُ مرتجعاً عيشٌ بها طالما احلولي وما لانا أزْمانَ يَدعُونَني الشّيطانَ من غزَلي وكنَّ يهوينني إذْ كنتُ شيطانا) . وهذا الشاعر جزاء الحربي يخلد (موردماء) عاش بقربه مع قوم كرام شدّوا أو شدت بهم الأيام: ياعد وين أهل البيوت المداويح اللي منازلهم جناب الشعيبي واهل الجهام اللي طياح مواضيح ماكن جو لك من بعيد وقريبي ومن نزلهم خالي جنابك صحاصيح بس الفجوج الخاليه والقليبي ولاشفت فيك إلا الحصا والصلافيح وبعض الجُوّاد اللي رسمها العزيبي وشوف الهضاب المظلمات اللحاليح مافيهن إلا الذيب يقنب قنيبي تأخذبهن هوج الهبايب تلافيح ماغير رسمن بالطويل الجذيبي رسمن يشيّب بالقلوب المجاريح قلوبن علي الغالين تنحب نحيبي قلوبن من الفرقا حدتها السواميح واشعل بها حر المفارق لهيبي تبكي على شوف الرجال الزحازيح ويبكي عليهم كل قلبن لبيبي ومن عقبهم يا عد مابك مرابيح عسى صواعيق البرد لك تصيبي وعسى السحاب اللي مزونه ملاويح تدمر جنابك لين تذهب ذهيبي لاشك أنا أبسألك من قبل لابيح وأبي الصراحه في سؤالي تجيبي عطني خبر عن مبعدين المشاويح أظن قلبي يستريح ويطيبي أسألك وين أهل الوجيه المفاليح ذوي نحيت منزحين الحريبي عصم الشوارب مشبعين المشافيح ربعن على كل اللوازم تطيبي ذباحتن للضيف حيلن مفاطيح ويرمون من فوق الشتال العصيبي ويوم السنين الماضيه والشلافيح أمشرعين أبيوتهم للغريبي عصمان الأريامبعدين المصابيح على المهار ملافحات السبيبي وياما شكن من خيلهم كنس الفيح وياما ثنوهن للكسير العطيبي وعند الملاقا للمجوخ ذوابيح بحدبن لغاها بالملاقا رهيبي وديبهم لاشك مالي مروايح ظروفي صعيبه والزمن منتحيبي ولو ينرجع مافات بالصوت لاصيح لاشك أنا أدري مال صوتي مجيبي وأقفت بي الأيام عنهم مدابيح وياعل ما هو من قرادة نصيبي وتلعب بنا الأيام لعب المسابيح ومن جورهن قلب المفكر يشيبي وعلمي بشوفتهم وأنا أقوم وأطيح سني صغير ولاعرفت المصيبي ولوكان دمع العين للخافق يريح لهل دمعي لويصل حد جيبي وياطير يا اللي بالهواء تتبع الريح بالله وصل لي سلام الاديبي وأن سايلو عن حالتي بالتباريح عطهم خبر قبل الليال أتغديبي وليا نشدوك وشفت منهم تلاميح عسى الخبر من يمهم لي تجيبي . وهذا شاعرنا المشهور عبدالله بن سبيل يصف ما أصابه من جمال بنات البدو، بعد أن قطن أهلهن حول بلدته في حرارة الصيف ثم شدوا في ظهور سهيل: يامن قلبٍ طار عنه اليقيني من يوم قفن الظعاين زهازيم هفن أوايلهن مع القينتيني ايّام عندي بين شداد ومقيم عشر الخطا يمشن بها ساعتيني كن المسير خلاف لولا التعازيم وبهن لطلاب الهوى شارتيني السلهمة واظهارهن المقاديم والبخنق اللي تفصله طرقتيني دون الشفايا والثمان المناظيم تشعف قلوب اهل الهوى الحاضريني ومعهن سهومٍ تصرم القلب تصريم وآخر مزر جيوبهن فرقتيني عن مثل در معطفات المرازيم ومعهن لمثلي حيرةٍ ما تبيني ولا من مفر عن القدر والمقاسيم ما أقول شيٍ ما نظرته بعيني إلى اقبلن ما عن لقاهن مهازيم الحب بيّح كل قلب فطيني كم واحد قبلي تبيّح ولا ليم وخلا الشيوخ يبيحون الكنيني وتبايعوا لشراه شقح ومجاهيم اللي مواقفهم على الأوليني ولهم على حضر القرايا معاليم مروين حد مذلقات العريني والعمر يرخص بالمعارك الى سيم) .وذلك قيس بن الملوح، أشهر عاشق في التاريخ، وأكبر رمز للحب والتباريح، حتى أصابه الأسى وأمضه الوجد الى حد الجنون، واستمد العالم من قصة حبه الخالدة المسرحيات والقصص والأساطير، ومنها (روميو وجولييت) لشكسبير .. .ها هو ذا قيس بن الملوح، شاعرنا الكبير، وعاشقنا الشهير، يروح ويغدو حول ملاعب صباه، ومواضع عشقه، ومسارح ذكرياته و وجده، ومواقع محبوبته الوحيدة الفريدة ليلى، فيبكي ويُبكي، ويخاطب الشجر والحجر، ويجعل الأحجار تنطق، والأماكن تنتفض، وأصداء الذكريات تملأ الجو من حوله.. وفي قلبه.. لتثير في وجدانه وخياله مواجده وأحزانه، وأمنياته أن يعود إلى عهده القديم الجميل حين كان يلقي (ليلى) وتلقاه: . وقد ألهمت قصة قيس المخلص الحزين، الشعراء والقصاصين، والأدباء والباحثين، ومن أجمل قصائد الإلهام التي أوحى بها قيس للشعراء قول أحمد شوقي: جبل التوباد حياك الحيا وسقى الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى في مهده ورضعناه فكنت المرضعا وعلى سفحك عشنا زمنا ورعينا غنم الاهل معا وحدونا الشمس في مغربها وبكرنا فسبقنا المطلعا هذه الربوة كانت ملعبا لشبابينا و كانت مرتعا كم بنينا من حصاها اربعا وانثنينا فمحونا الاربعا وخططنا في نقى الرمل فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعى لم تزل ليلى بعينى طفلة لم تزد عن امس الا اصبعا ما لأحجارك صُمّاً كلما هاج بي الشوق ابت ان تسمعا كلما جئتك راجعت الصبا فأبت ايامه ان ترجعا قد يهون العمر الا ساعةً وتهون الارض الا موضعا الفراق والحنين لحظات مؤلمة